الخليج العربي, باستثناء قطر، غاضبٌ غضباً شديداً على أصحاب القرار الحاليين في مصر، والسبب أولاً هو هذه القسوة المفرطة التي تمارَس على الرئيس مبارك، وثانياً هو أن تصريحات رئيس الحكومة الجديدة الدكتور عصام شرف تجاه طهران كانت مرنة أكثر من اللزوم، ولأن إحساساً كان قد ساد مع بداية تسلم هذه الحكومة لمهامها بأن هناك رغبة عارمة لاستعادة العلاقات المصرية- الإيرانية التي كانت قد قطعت بعد انتصار ثورة الخميني مباشرة، لأن الرئيس السادات استقبل الشاه محمد رضا بهلوي المطرود والمخلوع وتركه يعيش بحماية مصرية إلى أن توفاه الله وقبر إلى جانب والده رضا، الذي لم يجد بدوره سوى مصر لتأويه حيّاً وميّتاً عندما أُطيح نظامه ووجد نفسه طريداً وشريداً في دنيا الله الواسعة.

كان الرئيس حسني مبارك صديقاً للشيخ زايد, رحمه الله, وكانت علاقاته مع المملكة العربية السعودية أكثر من وطيدة وأكثر من أخوية وهذا ينطبق على الكويت وعلى البحرين، وإلى حدًّ ما على عُمان، ولهذا فإن قادة كل الدول الخليجية, باستثناء قطر, أُصيبوا بالامتعاض عندما لجأ العهد المصري الجديد إلى «جرجرة» هذا الرجل بطريقة لا تناسب عمره ولا يجوز أن تُتَّبع تجاه أحد أبطال حرب أكتوبر عام 1973 وإزاء رجل قد يكون قام ببعض التجاوزات وارتكب بعض الأخطاء إلا أنه من غير الجائز التعامل معه بأسلوب ثأري وانتقامي، وكأن المقصود إهانته وتشويه صورته والانتقام من مسيرته الطويلة قبل أن يصل إلى موقع الرئاسة وبعد ذلك.

Ad

ربما كان هذا الرجل أخطأ وهذا يقوله بعض الخليجيين، وربما أنه ارتكب تجاوزات تصل حتى حدود الموبقات، لكن بالإمكان محاسبته بدون تقصُّد إهانته وجرجرته وبدون شن حملة تشويه ضده وصلت إلى الحدود القصوى من المبالغة عندما روجت إعلامياً وعلى نطاق واسع بأن الأموال المودعة باسمه في البنوك الأجنبية تصل إلى سبعمائة مليار (وليس مليوناً) من الدولارات.

إن هذا هو الجانب الأول، أما الجانب الثاني فهو قول بعض الخليجيين إن مصر هي رافعة الأمة العربية وإنها بحكم مكانتها هذه ملزمة بالتصدي لتسرب النفوذ الإيراني في هذه المنطقة، وبالتالي كان على حكومة الدكتور عصام شرف أن تنتزع من إيران تعهداً بوقف تدخلها في الشؤون الداخلية العربية وفي مقدمتها دول الخليج قبل أن تبدأ بمد خيوط اتصالات معها، وقبل أن تعلن أنها تريد استعادة العلاقات الدبلوماسية المصرية- الإيرانية المقطوعة منذ عام 1979.

لا يستطيع أيٌّ كان أخذ مكانة مصر إن في الدائرة العربية وإن في الإقليم كله، فهذه المسألة من حقائق التاريخ ومن ثوابت هذه المنطقة، ولهذا فإن ما لا شك فيه هو أن بعض الدعوات الانكفائية المطالبة بتخلي المصريين عن الانشغال بالقضايا القومية والالتفات إلى الداخل المصري إنما تسيء لأرض الكنانة وتنتقص من الدور الذي بقيت تلعبه, حتى قبل أن يصل إليها الإسلام, شرقاً وغرباً وشمالاً وجنوباً حتى أبعد نقطة في القارة الإفريقية.

لا يجوز أن تلجأ مصر إلى تقزيم دورها العربي والإقليمي ودورها تجاه القضية الفلسطينية بحجة ضرورة الالتفات إلى الجبهة الداخلية وإعطائها العناية الأولى، فالأمور متداخلة على هذا الصعيد، ثم إنه بحكم المستحيل تحقيق النجاح المنشود في الداخل ما لم يكن هناك نجاح في الإقليم وفي المنطقة العربية، وهنا فإن ما يجب التذكير به هو أن هذه الدولة العظيمة قد تفاقمت مشاكلها الداخلية عندما أصيبت بالإعياء وتراجع دورها القومي وتقلصت مكانتها كلاعب رئيسي في منطقة البحر الأبيض المتوسط وشرقاً حتى حدود الهند وجنوباً حتى قلب القارة السوداء.

كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء

يمكنك متابعة الكاتب عبر الـ RSS عن طريق الرابط على الجانب الايمن أعلى المقالات السابقة