تقول الإحصاءات الرسمية إن عدد الكويتيين قد تجاوز المليون بقليل. لديّ شك جامح في صحة هذا الرقم، حيث أظنه أكبر من ذلك بكثير؛ وإلا فكيف نفسر أنك أينما تذهب في العالم لا بد أن تلتقي بعدد من الكويتيين. ففي إحدى المرات على سبيل المثال كنت أزور منطقة على قمة جبل معزولة في بلاد بعيدة، وإذا بشاب لطيف يتقدم تجاهي ويعرّفني بنفسه، لا بل قدم لي بطاقته الشخصية، وقد قمت بتطبيق نظرية الاحتمالات الإحصائية على الامتداد والانتشار الكويتي فاتضح أن ذلك الانتشار الملحوظ في كل مكان في العالم تقريباً لا يمكن أن ينطبق إلا على شعب تعداده يزيد على الثمانية ملايين نسمة.

Ad

قضيت أغلب الشهر الماضي خارج البلاد زرت فيه بلاداً مختلفة، معظمها كان في مهمات متنوعة تخللها فترات راحة وتأمل واسترخاء مستحقة، إلا أن ضجيجاً مستمراً في البلاد لم يتوقف بل تصاعد حتى وصل السماء، وتوالت الأزمات دون توقف، فالأزمات لدينا تتوالد دون تلقيح ودون حاجة لأن تتخلق، بل إن أزماتنا تتكور ثم تستطيل ثم تتربع ثم تتثلث ثم تنحرف!

هكذا لا تعرف لها "راس مِن كرياس" بل لا تعرف كيف بدأت ولا يمكنك التوقع كيف لها أن تنتهي.

أحد الأصدقاء قال لي: "فاتتك الصيحة" فما لبث أن استدرك "لا تقلق فبلادنا ولادة أزمات، نحن نتفنن فيها، فالأزمات آتية، خاصة أن الكثير منها مفتعل بسبب هشاشة وانكشاف النظام السياسي".

ها نحن، ما إن تنتهي أزمة حتى تبدأ أخرى، وكأنها أصبحت حالة ذهنية مسيطرة على الأجواء لتتحول إلى عادات وتقاليد متأصلة.

الملاحظ في صناعة الأزمات عندنا، اختلافها ربما عن غيرنا من المجتمعات، فأزماتنا، صغيرة كانت أم كبيرة، حقيقية كانت أم مفتعلة، سرعان ما تتسيد الساحة العامة فتتحول البلاد إلى بلد القضية الواحدة، وهي عادة ما تنتهي وتتوارى دون حل ليتم التفتيش عن أزمة جديدة.

المؤسف أنه في ذلك الإطار العبثي، تضيع الأولويات، وتتوه الرؤى، ويختل التركيز، فيصبح الإصلاح والتنمية إن وجدا، في الصفوف الخلفية. وينشغل الجميع بصغائر الأمور بقيادة النخب السياسية والاجتماعية.

لا، بل يتمكن شخص واحد لا أكثر أن يشعل الأجواء لتصبح مجمل البلاد عبارة عن حفلة زار وينغمس المجتمع في حالة هستيريا جماعية، ليهدأ ريثما يفكر أحد ما في مكان ما في افتعال أزمة جديدة ولا حول وقوة إلا بالله.