رواية أقاليم الخوف للكاتبة الجزائرية فضيلة الفاروق تنقلنا إلى عوالم مسورة ومطوقة بالخوف، وهو الأساس الذي بُنيت عليه الرواية، وهو الهدف الرئيسي أو الهاجس الذي ولدت منه هذه الرواية، التي لم يكن هدفها الكتابة عن التجارب الجنسية، التي تمر بها بطلة الرواية الأميركية المنحدرة من أصول عربية.

Ad

لكننا سنجد من سينسى جوهر الرواية ويلتفت صوب المشاهد الجنسية التي لا يتجاوز عددها الثلاثة أو الأربعة بالكثير، من رواية تطرح عدداً من القضايا الشائكة الموجودة في العالم العربي.

وسوف يوجد هناك من سيهاجمها ويشحذ سكاكينه ليلحق بها الكاتبة وروايتها، فالعالم العربي لم يعتد أن تكتب امرأة عن مشاهد جنسية من دون محاولتها للالتفاف عليها بلغة تناور بالإيحاء وبالغموض.

القارئ العربي يغفر للرجل كتابته للجنس، لأنه يعتبرها وساماً للذكورة، أما كتابة المرأة فلا يستسيغها ولا يتقبلها، لكنه سيأتي اليوم الذي ستصبح فيه كتابة المرأة الجنسية أمراً عادياً جداً، ولا يثير الحساسية لدى من يقرأها مثلها مثل الفيديو كليب الذي اعتاد الناس فيه مشاهد الجنس العارية التي أصبحت مباحة وشيئاً عادياً لا يثر الحواس ولا يحرك الغرائز.

وفي رأيي أن المرأة تكتب عن الجنس في محاولة منها للتحرر من ربقة خوفها الأبدي منه.

الخوف الذي يحاصرها ويطاردها منذ فجر طفولتها، ويحاصر حياتها بكل القوانين التي تربط حريتها بحبال تقيدها تحت مسميات عديدة.

لذا تأتي الكتابة لتكون عنواناً للتحرر من هذا الخوف، وللعبور إلى الحرية بمعناها الواسع والمطلق.

فالكتابة تأتي في آخر المطاف كامتلاك لجوهر الحرية كلها وللخروج من منطقة الخوف، هذا الخوف هو الهاجس الذي يطارد الكاتبة حتى تتحرر منه تحرراً كاملاً في كتابته.

والصديقة فضيلة كشفت عن خوفها من دون حتى أن تشعر بذلك في الإهداء الذي كتبته لي، والذي يوحي بمقدار خوفها من أن تكون ردة فعلي ضد روايتها، أو بمعنى أدق تجاه الجنس المكتوب فيها.

وكأن هذه الرواية التي تطرقت إلى كل مظاهر العنف الناتج عن الحروب بكل أشكالها، من اغتيالات وتفجيرات، واختلافات طائفية، وقومية، ونفسية، وما صاحبها من تغيرات وانعكاسات على حياة الشعوب التي تبتلي بها، ومن دسائس رجال السياسة ورجال الأعمال، والجواسيس، وتجار الحروب، وغيرهم، ليست أموراً مهمة بقدر أهمية تلك المشاهد أو بقدر ما سوف تثيره من ردود فعل صاخبة.

تنقلنا رواية أقاليم الخوف من الواقع اللبناني إلى الواقع العراقي، الذي نحسه ونكتشفه من خلال جولات بطلة الرواية الأميركية «مارجريت» المنحدرة من أصل فلسطيني، والتي جُندت من طرف منظمة أميركية، وأرسلت في مهمات في الشرق الأوسط.

تقع مارجريت في نهاية الأمر في عشق الرجل العراقي المشرف على استجوابها ومعرفة حقيقة دورها وسبب وجودها في العراق.

الرواية تتناول كل هذه القضايا بمرور سريع خاطف، كأنها ملخص أو مذكرات مقتطفة لمشاهد راكضة لاهثة، لكنها تمنح القارئ معلومات كثيرة ربما تكون خافية عنه.

وبالرغم من أن جنسية فضيلة جزائرية فقد استطاعت أن تأتي بروح اللهجة اللبنانية، أي بجوهر الشخصية الكامنة فيها، والتي تكشف عن أسرارها اللغة، لدرجة أشعرتني بكل تلك التفاصيل التي أعرفها وأحسها وأشمها في لبنان.

كتابتها عبرت عن كل ما تود طرحه في جرأة وشجاعة نادرة خاصة في ما كتبته عن الحرب والدين والسياسة والجنس، وكلها قضايا حساسة وشائكة.

وما تميزت به الرواية هو أنها امتلكت خطاً درامياً موفقاً وبحبكة تقود القارئ على غفلة، حتى تفاجئه في نهايتها.

وهناك جمل كثيرة تستوقف القارئ مثل:

* وهل أنا إنسان وُجدت لحكمة أجهلها؟ أم أني نرد قُذف بي في متاهة جزء منها يوصل إلى الجنة، وجزء منها يوصل إلى النار؟

* «شرق الحبل بلا دنس» لا شرق الشبق وقصص الحب، والعفاريت، والجن، والطغاة الذين يهزمهم الحب!

* يحرمنا الله من أشياء كثيرة لكي نتذكره.