مصر وسورية... والبديل
كما أن هناك اعتقادا حتى حدود القناعة بأن هناك من ينتظر، حتى تأخذ عملية تشويه صورة ثورة «ميدان التحرير» مداها، ليتحرك في اللحظة المناسبة ويضرب ضربته ويلتقط تفاحة الحكم الساقطة ثم يصفي كل شيء لمصلحته، فهناك اعتقاد حتى حدود القناعة الراسخة أيضا بأن وراء هذا العنف الدموي الأهوج جهة معينة من داخل النظام السوري نفسه دأبت على إقحام البلاد في الفوضى وإغراقها في الدماء كي تتحرك في اللحظة المناسبة وتنتزع السلطة من أصحابها الذين ثبت أنهم لا يستحقونها وتفرض نفسها على كل شيء بالقوة.هناك في مصر من أصبح، بعد أن ذهبت السكرة وجاءت الفكرة «يريد الخلاص بأي ثمن» فالأمن بات في غاية الاضطراب والانهيار بالنسبة إلى الأوضاع الاقتصادية وصل ذروته، وهذا جعل الشعب المصري، الذي استقبل انتفاضة الخامس والعشرين من يناير بآمال عريضة مستعداً للقبول بالخلاص وأي خلاص حتى وإن جاء في هيئة انقلاب عسكري وعلى ظهور الدبابات كالعادة، فالمهم هو الخلاص من هذه الحالة المأساوية، والمهم هو الأمن والاستقرار ودوران عجلة الحياة العادية المفتقدة.
غير معقول أن يبقى الجيش يتخذ وضعية المراقب، بينما البلاد ماضية إلى المجهول وتغرق في الفوضى ويتواصل انهيار اقتصادها، فهذا مستغرب حقاً، ويقيناً أنه إن لم تتحرك القوات المسلحة بسرعة وتمسك بزمام الأمور في اللحظة المناسبة وتضع حداً لكل هذا الذي يجري فإن مصر قد تدخل نفقاً مظلماً، لا سمح الله، لا تستطيع الخروج منه ربما لعشرات الأعوام وأكثر. وكذلك فإنه، بالنسبة إلى سورية، كان ممكناً ألا تصل الأمور إلى هذا الوضع المأساوي الذي وصلت إليه لو أن القيادة تصرفت بمسؤولية وحكمة ولم تلجأ، على الفور، إلى العنف المفرط، وهنا فإن كل هذا الذي جرى والذي هو انتحار لهذه القيادة بات يبعث على الاعتقاد الجازم بأن قرار من هو في موقع قمة السلطة ليس بيده، وأن هناك صاحب قرار آخر هو الذي دأب على دفع الأمور نحو الهاوية والهدف هو أن يظهر في اللحظة المناسبة كمنقذ ومخلص ويسيطر على الحكم ويبدأ بمحاكمة طاقم سلفه ويفتح أبواب السجون على غرار ما يجري الآن في مصر.لقد تجاوزت الأحداث في سورية نقطة اللاعودة ولقد بات مؤكداً أن هذا النظام زائل لا محالة، فالشعب السوري الذي بقي يعالج الصبر بمزيد من الصبر حتى لم تعد هناك إمكانية للاحتمال فانفجر على هذا النحو من غير الممكن أن يعود إلى الخلف ومن غير الممكن أن يقبل بعد كل هذا الذي جرى بإضافة عشرة أعوام أو عشرين أو أربعين عاماً إلى سنوات القهر والاستبداد الماضية، والخوف كل الخوف هو أن يبرز من داخل النظام نفسه عندما يصل الانهيار إلى الحدود القصوى من يطرح نفسه كمخلص ومنقذ ليستكمل كل هذه المسيرة العسيرة الماضية.إن هناك من ينتظر مثل هذه اللحظة بالتأكيد، وغير مستبعد أن يكون صاحب الحظ السعيد أو صاحب الحظ التعيس أسوأ كثيراً من سلفه، وهنا فإن الطامة الكبرى هي أن تكون هذه الانتفاضة عفوية وبدون قيادة وبدون تصور لطبيعة الحكم المنشود، ولعل ما هو معروف أن شعوباً كثيرة قد قدمت تضحيات عظيمة، لكن ولأنها ذهبت إلى ميادين المواجهات بدون قيادة وبدون موقف موحد وأيضا بدون أي تصور للمستقبل فإنها لم تحصد إلا الخيبات، والنتيجة أنها وجدت نفسها في دائرة أسوأ من الدائرة السابقة.