سنغافورة أم لبنان؟... نحن في الكويت اليوم بين هذين الخيارين، بين نموذج سنغافورة الصغيرة التي استوعبت جميع الأعراق والديانات والطوائف دون نزاعات دموية، وأقرت صيغة الدولة المدنية التي يتساوى فيها المالوي والعربي، والمسلم والبوذي، دون تمييز في الحقوق والواجبات ومنافع وامتيازات الدولة السنغافورية القوية والغنية، وبين نموذج لبنان الذي تشظى فيه الكيان لمصلحة الطوائف والجماعات العرقية، وأصبح في عرف قياس نظم الحكم الدولية العلمي دولة فاشلة تعيش على تركيب حكومات هشة يديرها زعماء الطوائف ومراكز القوى المسلحة ونفوذ الدول الخارجية في التركيبة المحلية اللبنانية، رغم أن البلدين مرا تقريباً بنفس الظروف من تهديدات خارجية وحروب، وإن كان لبنان يتفوق من حيث الموقع والتاريخ.
وفي الكويت أصبحت التقسيمات واضحة، حتى لو تعامينا عنها أو حاولنا إخفاءها، فقد تم فرز الناس بشكل فج بين الحضري والبدوي، والسني والشيعي، والأصيل والبيسري، والغني والفقير، حتى أضحت المناطق أيضاً مفروزة على هذا الأساس بفضل نظرة السلطة الضيقة وتكتيكاتها السياسية المدمرة في مراحل سابقة من عمر الدولة، ونتيجة لذلك فإن كل من استفاد من هذه التقسيمات وحصل على مكاسب من الدولة بفضلها، أصبح متمرساً فيها، ويحاول الحصول على المزيد من المكتسبات خاصة إذا أحس بأنه أضحى يشكل الغالبية العددية في البلد أو رقماً صعباً في معادلتها، وهو ما يحضه على أن يترجم ذلك إلى نصيب أكبر من ثروة الدولة ومناصبها، وبات الجميع يحصل على موقعه ومكتسباته وفقاً للتاريخ الذي تستمد منه هذه التقسيمات، فمن يحتكر التجارة والمناقصات يعيش على تاريخ أجداده «الطواويش وملاك السفن»، والحضر يطالبون بالمناصب القيادية وفقاً لحقيقة تاريخية أنهم أبناء داخل السور الذين أسسوا وبنوا الدولة، والبدو على انتمائهم التاريخي للقبائل التي دعمت حكم الصباح وقاتلت للدفاع عنه، ويطالبون برفع الغبن المدعى عنهم، وكذلك الشيعة عن دورهم المؤسس ووجودهم في البلد القديم، ولا أحد يتحدث عن المستقبل والكفاءة وحسن التأهيل لإدارة شؤون البلد، أو دوره في تسديد نصيبه لدعم الدولة بعدما جناه من أرباح هائلة من ثروتها.والواقع أننا أصبحنا في الكويت على طريق سريع باتجاه الخيار اللبناني، فهم لديهم المنخرطون في العمل السياسي باسم الطوائف والمذاهب والأعراق مثل البطريرك صفير والسيد حسن نصرالله والمير طلال أرسلان ووليد جنبلاط والمفتي قباني، ونحن أصبحنا أكثر شبهاً بهم، فلدينا السيد المهري وعبدالرحمن عبدالخالق ووليد الطبطبائي وشيوخ القبائل وقوى المال والوكالات التجارية ومسلم البراك وخالد الطاحوس ومحمد الجويهل، وكلهم يقاربون قضايا البلد من منظور طائفي أو قبلي أو فئوي أو بدعم من أحد هذه العوامل الثلاثة، ونحن بالتأكيد بعيدون عن الخيار السنغافوري الناجح والمزدهر الذي تتعامل فيه مؤسسات الدولة ومراكز الأبحاث والدراسات الأكاديمية مع قضايا ومشاكل البلد، وتنظم كل ذلك قوانين الدولة ونظمها السارية على الجميع دون أن يتدخل أي عامل آخر طائفي أو عرقي أو فئوي فيها.وبلاشك أن اقتراب تطابق ملامح الواقع الكويتي مع اللبناني هو أمر خطير ومفجع، ولكنه الواقع الذي تؤكده بداية انتقال التوتر السياسي إلى توتر اجتماعي يعبر عن نفسه بالعنف المادي واللفظي، كما حدث في الخالدية والصليبيخات وصباح الناصر وقصائد الحرب، وقبلها في الصباحية ومديرية أمن الفروانية وملابسات حادثة التأبين، إننا الآن ونتيجة لكل ذلك في مرحلة حرجة لا تستطيع المؤسسات السياسية بتركيبتها الحالية من نواب ووزراء أن تتعامل معها، ولكننا في حاجة ماسة إلى مشروع وطني جديد تتبناه مؤسسة الحكم والعقلاء في الكويت، يمثل إنقاذاً من وقوع الكويت في براثن التشظي وصيغة المحاصصة اللبنانية (صيغة العيش المشترك) التي تشرعن تقسيم البلد اجتماعياً وسياسياً ومناطقياً، والوقوع في حالة الدولة الفاشلة لا سمح الله.
أخر كلام
سنغافورة أم لبنان؟!
26-12-2010