لقطات وزوايا في علاقة الأديب والسينمائي (1-2)

نشر في 20-05-2011
آخر تحديث 20-05-2011 | 00:00
 محمد بدر الدين في ذكرى ميلاد يوسف إدريس (17 مايو 1927) عبقري القصة المصرية ـ العربية، نتوقّف في مجال السينما أمام لقطات وزوايا تستحقّ تناولاً أو تأملاً، ونختار أمرين أو زاويتين بصورة أساسية:

أولاً: الاعتراض أو الاحتجاج الذي عرف به أدباء وكتّاب في مواجهة مخرجي الأفلام ومنتجيها، ربما كان في صدارتهم يوسف إدريس في مقابل آخرين لم يعترضوا ولم يحتجوا، بل تقبّلوا وتفهّموا، وربما كان في الصدارة أيضاً نجيب محفوظ أديب الرواية العربية الأكبر.

ثانياً: أعمال الأدباء والكتّاب في السينما، بين الأمانة والتشويه، بين التوفيق والتلفيق.

في المسألة الأولى، نذكر أن إدريس مثلاً، احتجّ في السينما كما في المسرح على عمل المخرجين، إذ اعتبره خروجاً على رؤاه ومرماه.

قد يتصوّر البعض أن تذمّر إدريس كان في مواجهة مخرجين متواضعي الشأن والمستوى والموهبة، أو غير قادرين على النفاذ والتقاط الجوهر، لكن الحقيقة أن «ثورة إدريس» كانت في مواجهة كبار المخرجين سواء في السينما أو المسرح، لأنهم كانوا بدورهم أصحاب رؤى وتصورات وأفكار.

إحدى أشهر معارك إدريس في السينما، معركته مع المخرج الكبير فنان السينما يوسف شاهين في فيلم «حدوتة مصرية»، وفي المسرح مع المخرج فنان المسرح الكبير كرم مطاوع.

جمع بين الثنائي الفذ إدريس ـ شاهين، قبل الاتجاه إلى إبداع سيناريو فيلم «حدوتة مصرية»، تعرّض كل منهما لأزمة صحية قاسية، وهي الخضوع لجراحة قلب دقيقة، اقتربا خلالها من الموت بشكل مثير ومفجر، فسيطرت عليهما مشاعر وتأملات حول الحياة والموت والإنسان، على صعيد اجتماعي وميتافيزيقي، نفسي وفلسفي في آن، بعد نجاح الجراحة بوقت طويل.

بطبيعة الحال، أراد كلّ منهما أن يفرض تجربته على المعالجة السينمائية، وخواطره وهواجسه. ولما كان لكل منهما عالم فني إبداعي شامخ، يميّزه ويخصّه، كان منطقياً الاختلاف والتناقض والمواجهة.

كذلك، تابعنا الاختلاف، بدرجة أو بأخرى، بين كتّاب وسينمائيين آخرين، مثل عدم رضا الأديب المعروف يوسف القعيد عن بعض التفاصيل في فيلم «المواطن مصري» للمخرج فنان السينما الكبير صلاح أبو سيف، من بينها تغيير العنوان ذاته للرواية المقتبس عنها الفيلم «حدث في برّ مصر».

ثمة أيضاً أفلام، حاول أصحابها من الكتّاب ألا يثيروا مشكلة كبرى، على رغم اعتراضهم على تفاصيل كثيرة فيها، من بينهم مبدع الدراما المرموق محفوظ عبد الرحمن إزاء فيلم «حليم» الذي أخرجه السينمائي اللامع شريف عرفة عن سيرة المطرب الكبير، لا سيما في تناول فترة 1967، خصوصاً كيفية تقديم موقف الشاعر والرسام الفذ صلاح جاهين. لكن محفوظ لم يفصح كثيراً، تقديراً منه أو تفكيراً على نحو معين، أي أنه نوع من «الغضب المكتوم».

في المقابل، شهدت السينما المصرية حالات رضا، إذا جاز التعبير، بين الأديب والسينمائي، في مراحلها المتعاقبة، ابتداءً من توفيق الحكيم ـ محمد كريم في «رصاصة في القلب»، مروراً بطه حسين ـ بركات في «دعاء الكروان»، وصولاً إلى ابراهيم أصلان ـ داود عبد السيد في «الكيت كات».

لكن يبقى نجيب محفوظ النموذج الأشهر في هذا المجال، تأسيساً على نظريته الذائعة الصيت: «الأديب مسؤول عن نصّه بين دفتي كتاب والمخرج مسؤول عن الفيلم، من يريد أن يتعرّف إلى الأديب يذهب إلى الكتاب، ومن يذهب إلى الفيلم وحده يكتفي بالتعرّف إلى دنيا المخرج... للكتاب والكاتب عالم... وللفيلم والمخرج عالم آخر مختلف كل الاختلاف».

back to top