في فترة سابقة، وربما حتى الآن، هناك عادة استئجار "بواكٍ" للمتوفَّى، إذ للنفخ في كرمه وشجاعته و"سمعته العطرة" يبادر أهل الفقيد إلى الدفع بسخاء لنساء بارعات في افتعال العويل والبكاء بدموع مدرارة، والتغني بمآثر "المرحوم" وسماحة خلقه وطيب أخلاقه، مع أنه قد يكون لصاً وأجبن من أرنب، ومخادعاً لا يتورع عن السطو على أموال اليتامى وأبناء السبيل والأرامل اللواتي لا تملك إحداهن قوت يومها.

Ad

هذه العادة الكريهة باتت تستخدم سياسياً، حيث يدفع الذين لا يريدون لعملية السلام أن تخطو إلى الأمام خطوة واحدة، ويتمنون لها الثبور وعظائم الأمور، لفيلق من الكتاب والكتبة البارعين في قلب الأشياء إلى أضدادها، والمتمرسين في التحدث عن بطولات لدول ولقادة تنظيمات هي غير موجودة على أرض الواقع والنفخ في قِرَب "جهاد" غائب اعتاد أصحابه استعراض حناجرهم لإعلانه والإشادة به من فوق منابر القاعات الخطابية الفارهة في العواصم البعيدة.

هؤلاء يعيشون الآن حالة استنفار قصوى لإشاعة أن هذه "المفاوضات المباشرة مؤامرة على القضية"! ولذلك فإنهم ومنذ أن بدأت هذه المفاوضات وهم يرفعون أقلامهم وأوراقهم نحو نوافذ "فسطاط المقاومة والممانعة"، ويبتهلون إلى الوليِّ الفقيه ومقلِّديه ألا يتوصل المتفاوضون إلى أي نجاح أو إنجاز، وألا ترى الدولة الفلسطينية المنشودة النور، لأن الأهم "الفكرة" و"القضية"، ولتذهب هذه الدولة إلى الجحيم.

إن هؤلاء "الندَّابين" مثلهم مثل قادة الفصائل و"الفسائل" الوهمية التي كلها قيادات بلا قواعد لا يريدون للشعب الفلسطيني أن يستريح، ولو استراحة محارب، بعد كل هذه المآسي والويلات والعذابات، فقيام دولة فلسطينية بغض النظر عما إذا كانت مسلحة أو منزوعة السلاح يغلق الأبواب التي دأبوا الارتزاق منها، وينهي "القضية" التي استمرأوا استخدامها كوسيلة للتعيّش والتكسُّب، ولذلك فإنهم ومنذ بدء المفاوضات المباشرة وهم يتمنون لها الانهيار، ويتضرعون إلى الله أن ينصر نتنياهو "عطاالله" على (أبومازن) وعلى كل من يسانده ويؤيده.

نسأل هؤلاء "الندَّابين" عن البديل فيقولون إنه "القضية" وإنه "الفكرة" و"لتحيا الفكرة والموت للدولة"، وكل هذا بغض النظر عن كل هذه الويلات التي يكابدها الشعب الفلسطيني، وبغض النظر عن كل هذا الاستيطان الزاحف المستمر في قضم الأرض الفلسطينية!