إن الأمم المتحدة وشركاءها الدوليين المتعددين سيعينون هاييتي على الوقوف على قدميها من جديد، لكن في نهاية المطاف ينبغي على أهل هاييتي أن يعينوا أنفسهم، والحق أنهم شعب يتسم بالمرونة والقدرة على المقاومة والشجاعة، وهم يحتاجون إلى الزعامة الوطنية القوية، ويستحقونها. لم تكن الأقدار رفيقة بهاييتي في الآونة الأخيرة، فقد كانت الآلام والمعاناة الناجمة عن الزلزال الذي وقع في العام الماضي لاتزال هائلة بالفعل عندما ضربها إعصار توماس ثم تفشى وباء الكوليرا... والآن تفاقمت التوترات المحيطة بالانتخابات التي انتهت للتو.
ولقد انتشر الوباء في الإدارات العشر في البلاد، فضلاً عن العاصمة «بورت أوبرنس». وتؤكد تقارير وزارة الصحة العامة في هاييتي أن عدد الوفيات يقترب من 2000، وأن عدد المصابين بالعدوى يتجاوز ثمانين ألفا، ولأن العديد من الناس لا يتمكنون من الوصول بسهولة إلى المستشفيات والعيادات فإن هذه الأرقام تُعَد تقديرات تقريبية في أفض الأحوال، وتخشى الفرق التابعة للأمم المتحدة أن تكون أعداد الوفيات والمصابين قد تجاوزت في واقع الأمر ضعف هذه التقديرات.ومن الواضح أن الوباء سيواصل انتشاره، ويرجع هذا إلى طبيعة هذه السلالة الضارية من الكوليرا، إلى جانب العديد من القضايا الأساسية مثل ضعف النظام الصحي الوطني، والظروف الصحية السيئة، والافتقار إلى المياه النظيفة وغير ذلك من الخدمات الأساسية. وتشير تقديرات منظمة الصحة العالمية (WHO) ومنظمة الصحة لعموم البلدان الأميركية (PAHO) إلى أن الوباء قد يؤثر في ما يقرب من 400 ألف شخص.وفي حين يحشد المجتمع الدولي جهوده في الاستجابة لهذا الوباء، فهناك بعض الأولويات: أولاً ضرورة الحد من معدل الوفيات من خلال الاستعانة بالعلاجات الفعالة، وثانياً توعية الناس حول كيفية العناية بأنفسهم وأسرهم ومجتمعاتهم المحلية.وهناك بعض الأنباء الإيجابية على الرغم من الصورة العامة القاتمة، ففي حين تثير الإحصاءات الوبائية قدراً عظيماً من الانزعاج فقد سجل معدل الوفيات انحداراً في الأسابيع الأخيرة، من 7.6% إلى 3.6%. والواقع أن حكومة هاييتي، ووكالات الأمم المتحدة، والجمعيات الإنسانية تتحرك بسرعة لتفعيل التدابير العلاجية والوقائية. فهي تقدم مواد تنقية المياه، وتتولى تنفيذ حملات توعية عامة واسعة النطاق، وتساعد في بناء مراكز العلاج.ولكن هناك أمر واحد واضح، فعلى الرغم من القدر الذي تستحقه هذه الجهود الجماعية من الإعجاب فإنها ببساطة ليست كافية، ففي غياب الاستجابة الدولية الفورية الواسعة النطاق تصبح حياة مئات الآلاف من البشر في خطر، ويتعين علينا أن نعمل بأقصى سرعة ممكنة وبالاستعانة بكامل الموارد المتاحة.وفي المقام الأول من الأهمية، هناك حاجة ملحة إلى المزيد من مراكز علاج الكوليرا، والأمر يتطلب توظيف المزيد من الأفراد الطبيين وغير الطبيين المدربين لإدارة هذه المرافق، وتشير تقديرات منظمة الصحة لعموم البلدان الأميركية ومنظمة الصحة العالمية إلى الحاجة إلى 350 طبيباً إضافياً و2000 ممرض وممرضة، و2200 من موظفي الدعم على مدى الأشهر الثلاثة المقبلة.والأمر يتطلب أيضاً الاستعانة بنحو ثلاثين ألف عامل ومتطوع للمساعدة في تشغيل ما يقدر بنحو 15 ألف نقطة لتقديم محاليل علاج الجفاف الفموية. هذا فضلاً عن الاحتياج إلى المزيد من المتطوعين لتثقيف الناس وتحسين تدابير النظافة العامة في المخيمات والمجتمعات المحلية، وإنه لأمر بالغ الأهمية أن يكون أهل هاييتي بالكامل على علم تام بشأن كيفية التعامل مع هذا المرض، وأن يفهموا أن مرض الكوليرا قابل للشفاء السريع بمجرد تشخيصه وعلاج المصابين به.ولكن هناك نقص في الأدوية والمواد الأساسية مثل أقراص تنقية المياه، ومطهر الكلور، والمضادات الحيوية، وحاويات السوائل، والصابون، وخزانات المياه، ومواد البناء للمراحيض. ولابد من تجديد المخزون من أملاح معالجة الجفاف الفموية باستمرار.ومن غير المستغرب أن تكون أعلى مستويات انتشار الكوليرا في الأحياء الفقيرة والمناطق الريفية في هاييتي، حيث الناس أبعد عن أماكن المساعدة والعلاج. ومن عجيب المفارقات أن انتشار الوباء قليل نسبياً في المخيمات حيث لجأ ما يقدر بنحو 1.3 مليون شخص بعد زلزال هذا العام. والسبب أننا موجودون هناك لتوفير ما يلزم- من المساعدات الطبية والصرف الصحي والمياه النظيفة.ولكي نعين هاييتي على مساعدة نفسها فإنه يتعين علينا أن نوسع نطاق مساعداتنا، ولهذا السبب أصدرت الأمم المتحدة وشركاؤها استراتيجية الاستجابة بين القطاعات المختلفة المعنية بمواجهة الكوليرا في هاييتي، وهي عبارة عن نداء لتمويل صندوق بقيمة 164 مليون دولار لدعم جهود المجتمع الدولي لاحتواء الوباء... وحتى الآن تم تمويل 20% فقط من هذا الصندوق.لن تكون هذه الأزمة قصيرة الأمد، لذا فلا يجوز لنا أن نحصر تفكيرنا في المدى القريب فيما يتصل بصياغة استجابتنا. والواقع أن الملايين من الناس يتطلعون إلى المجتمع الدولي طلباً للبقاء على قيد الحياة. وفي الوقت نفسه يتعين علينا أن ننظر إلى استجابتنا في السياق الأوسع للتعافي والتنمية في الأمد البعيد. ويشكل الاستثمار في البنية الأساسية قدراً عظيماً من الأهمية، المياه النظيفة، والصرف الصحي، والرعاية الصحية، والتعليم، والمأوى الدائم.وعلى طول الطريق، يتعين علينا أن نساعد في تعزيز المؤسسات في هاييتي، وإن أهل هاييتي في احتياج إلى حكومة قوية وشرعية حتى يتسنى لها أن تتغلب على التحديات. والواقع أن الانتخابات الأخيرة كانت بمنزلة علامة فارقة على طريق طويل وعصيب، ولكن الانحرافات تبدو الآن أشد خطورة مما كنا نتصور في مستهل الأمر، فالتوترات آخذة في الارتفاع، ويتعين على الزعماء السياسيين أن يغلبوا المصلحة الوطنية على الطموحات الشخصية والحزبية.إن الأمم المتحدة وشركاءها الدوليين المتعددين سيعينون هاييتي على الوقوف على قدميها من جديد، لكن في نهاية المطاف ينبغي على أهل هاييتي أن يعينوا أنفسهم. والحق أنهم شعب يتسم بالمرونة والقدرة على المقاومة والشجاعة، وهم يحتاجون إلى الزعامة الوطنية القوية، ويستحقونها، وهذه هي لحظة هاييتي.* بان كي مون | Ban Ki-moon ، أمين عام الأمم المتحدة منذ 1 يناير 2007 ووزير خارجية كوريا الجنوبية سابق.«بروجيكت سنديكيت» بالاتفاق مع «الجريدة»
مقالات
لحظة هاييتي
08-12-2010