ماذا تقول في رجل نظر إلى المرآة فوجد بعض الندوب الصغيرة في وجهه، وبدلا من أن يعالجها ويجد لها حلا، راح يتمعن في المرآة بشك وريبة، ثم يقرر بأنها مرآة رديئة لا تعكس جمال وصفاء وجهه كما ينبغي، وأن عليه التخلص منها ورميها في القمامة، ثم إنه يجرب النظر في مرآة أخرى، ثم أخرى، وفي كل مرة يرى نفس الندوب، ومع هذا، يستمر في المكابرة ويصر على رأيه بأن الخلل في المرايا لا في وجهه الكريم!

Ad

نحن جميعا أيها الإخوة، حكومة ومجلسا وشعبا هذا الرجل الذي لا يريد أن يعترف بالواقع والحقيقة، والتقارير الدولية المتكررة التي انتقدت ولا تزال تنتقد تعاملنا الإنساني مع العمالة الوافدة وهضم حقوق الكثير منها بفضل نظام الكفيل الجائر، وما تفعله بعض شركات التنظيف في عمالتها دون حسيب أو رقيب من وضعهم في أماكن لا تليق بسكنى البشر، وتأخر تسلمهم لرواتبهم لعدة شهور، وانتقادها كذلك لتعاملنا مع فئة البدون وعدم إعطائهم أبسط حقوقهم الإنسانية، هذه التقارير الدولية والتي تستند في العادة إلى أدلة وبراهين لا يختلف عليها اثنان- من المنصفين- هي المرايا التي تظهر لنا ما لا نريد أن نراه ونتجاهله تماما، لنكذب على أنفسنا بالقول إن أمورنا "عال العال، وعلى سنجة عشرة" كما يقول الإخوة المصريون!

وزارة الخارجية الأميركية في تقريرها السنوي عن حرية الأديان انتقدت الكثير من دول العالم، وكانت الكويت من ضمن الذين شملهم التقرير، حيث زعمت أن الحكومة الكويتية قد وضعت حدودًا بدرجة ما على ممارسة الشعائر الدينية لغير المسلمين، وأن الأقليات الدينية تشعر بقدر من التفرقة بسبب السياسات الحكومية، وضربت مثلا بالطائفة الشيعية التي تبلغ نسبتها %30، وتعاني صعوبة الحصول على تراخيص لبناء مساجد لها، وأنها لم تحصل سوى على تراخيص لبناء 6 مساجد منذ عام 2001!

هذا بعض ما جاء في التقرير، فما ردود الأفعال من نواب مجلس الأمة ومن "المصادر الحكومية" حسب ما تنعتهم الصحف؟!

خذوا عندكم: "نحن لا نقبل الوصاية من أي أحد كان"... "اللي بيته من زجاج لا يحذف الناس بالطوب"... "يجب ألا ندع مجالا لأميركا ولا غيرها إشعال فتنة في البلاد"... "التقرير يدق إسفين الفتنة في الكويت ونطالب الخارجية بإصدار بيان يرفضه"!

كالعادة... العيب في المرآة، لا فينا نحن!

مع أن التقرير قد شمل دولا متحضرة وانتقدها أكثر مما انتقدنا، كفرنسا التي أقر فيها مشرعون قوانين تحظر على المسلمات ارتداء النقاب وسويسرا التي أقر الناخبون فيها قانونا يحظر على المسلمين بناء المآذن، إلا أن مفردات مثل "الفتنة" و"الوحدة الوطنية" لا يرد إلا على لسان المصادر الحكومية والنواب الأفاضل!

الحكاية باختصار ما لم يعترف المرء بوجود المشكلة فلن يحلها أبدا، ونحن لا نريد أن نعترف بوجود أي خلل لدينا، صارت فضيحتنا بجلاجل من قضية البدون وما زلنا نصر على أنهم يحيون حياة كريمة، وأنهم يخفون "جناسيهم" الأصلية لكي لا يحصلوا على عقود زواج وشهادات ميلاد ورخص قيادة أو عمل يقتاتون منه... ما شاء الله علينا، قمة الذكاء والنباهة! ولا تزال التقارير الدولية تظهرنا بصورة بشعة بسبب نظام الكفيل الذي يجعل العامل أقرب للعبد للمزايا التي تمنح للكفيل، ومع ذلك لا نرى في الأمر شيئا وأن العامل يعيش في رغد و"دلع" لا يحصل عليه في بلده!

واليوم... حين ينتقد التقرير الأميركي حرية الأديان وحقوق الأقليات في ممارسة شعائرها، نهاجمها ونرى أنها تدق إسفين الفتنة بيننا، ونتناسى رفضنا التام لبناء مزيد من الكنائس للإخوة المسيحيين، ومعابد الهندوس، وطائفة البهرة، أما عن الإخوة الشيعة فطبيعي أن حالهم في الكويت أفضل من معظم الدول ذات الكثافة السنية، لكن هذا لا يمنع من الاعتراف بأن الدولة ملزمة ببناء مساجد لهم في كل المناطق أسوة بإخوتهم السنة، خصوصا في المناطق الجديدة، وألا يتكرر ما حدث في منطقة عبدالله المبارك التي تتكون من 5000 قسيمة بنت الدولة فيها ما يقرب من 20 مسجدا للسنة وتجاهلت بناء مسجد واحد للشيعة، فلما بنى هؤلاء مسجدا على نفقتهم الخاصة اعترض بعض السكان على ذلك، ولو أن الدولة عودتهم على بناء مساجد للشيعة بجانب مساجد السنة لاعتادوا على الأمر ولم يعترض أحد منهم!

لنترك المرايا على جنب فهي لا تعاني شيئا، ولنبحث عن علاج لندوبنا التي صارت أوضح من عين الشمس... لمن لا يغمض عينيه عامدا متعمدا!