آخر وطن: سيد البيد...


نشر في 21-01-2011
آخر تحديث 21-01-2011 | 00:00
 مسفر الدوسري سيد البيد... من للبيد بعدَك؟!

من يمسح عن شمسها حبات العرق المنساح فوق جبينها في عز صيفها الحارق؟!

من يحتضن قمرها «بفروته» ويفيض عليه دفئاً في ليالي شتائها القارس؟!

من يقي حُفاتنا من جمر رمضائها؟!

من يزهر شجر الحرمل المنثور على سطح جلدها؟!

من يمسح عن وجهها آثار الجدري كلما بصق حقده على سحنتها السمراء؟!

من يغذي جدائلها الفاحمة بعدك بالحناء والشمطري؟!

يا سيد البيد...

أنت الذي كنت تملأ جفافها بالغدران،

وتملأ غدرانها بالقطا،

وتقرأ على أسراب قطاها تعاويذ الأمان.

وأنت من كان بعمّر هذه البيد بالدوح، وبعمّر دوحها بالحمام، ويؤلف لذاك الحمام «نوتته» الموسيقية،

علامة فارقة كنت في الشعر،

إلا أن ذلك ليس أعظم انتصاراتك

كنت ربيب السليك والشنفرى وبقية الصعاليك الاستثنائيين الرائعين، إلا أن ذلك ليس أيضا أعظم انتصاراتك...

أعظم انتصاراتك يا سيد البيد أنك صببت لنا وطناً في الكؤوس، شربناه خمراً معتقاً حتى ثملنا به!

أعظم انتصاراتك أنك أدرت مهجة الصبح للحد الذي طالما تخيلناه أقرب من امتداد أيادينا إليه،

أعظم انتصاراتك يا سيد البيد أنك كنت تهجيتنا حلما حلما،

ورسمت ملامحنا التي أحرقها السموم،

وقرأت أنفاسنا التي أنهكها الحداء على ظهور الرواحل،

قرأت تجاعيد «الشّن» التي شاخت بانتظار مزنة،

امتلأت بهذه الصحراء القاحلة حتى أينَعت بك وأثمرت،

توحَدْت بكثبانها حتى غدوت أطيب الثرى،

احتضنت سماءها حتى أصبحت أنت الثريا،

غنيت هذه البيد حتى أنبتت مواويل خضراء يجافيها الجفاف،

وكنت صوتها الصادق النقي،

وعرّافها التقي،

وطفلها الشقي،

وكنت مواسم المطر،

ومواقيت العواصف والرياح،

وكنت...

آه يا سيد البيد كم توجعني مفردة كنت،

كم يوجعني أن أتحدث عنك بصيغة الماضي الذي مضى،

وكأني أوثّق رحيلك،

وكأني أطوي بيدي أجمل الصفحات،

وكأني آسى على ماضٍ تولى،

إلا أنك لست ماضيا بالنسبة لنا إلا كما يمضي برق في لجة الظلام،

أنت بالنسبة لنا حاضر ومستقبل يضيء لنا دروبنا التي تناهشتها يد الدجى، وأثثت الخفافيش مراكز تفتيش لها في وسطها،

أنت بالنسبة لنا... روح ستبقى خالدة،

وكتاب شعرٍ سنبقى نتعلم منه أبجدية الشعر ونكهة الحياة،

ستظل يا سيد البيد هتّانا يروي عروق أغصاننا اليابسة،

ويمدها بالغيث،

ويخرج شمسنا من الظلمات،

ستظل يا سيد البيد أجمل الشعراء شعراً،

وأطول النخيل جذعاً، وأكثرها ثمراً،

ستظل تلك الشمس التي نباهي بها كل النجوم،

وستظل في قلوبنا ذلك البدوي الأصيل الذي أعاد للصحراء كبرياءها ومكارم الأخلاق،

سيظل صدى قصائدك منيراً يملأ الفيافي والقفار، ويرشد إبل الحزن فينا لمواقع الماء والكلأ،

رحمك الله رحمة واسعة يا محمد الثبيتي،

يا سيد البيد.

back to top