أيها العالم تمهل، خفف قليلا من لهاثك وامنحني شيئا من الراحة، فرصة لألتقط فيها أنفاسي حتى أستطيع أن أكمل فيها كتابة روايتي المعلقة في متابعة هذه الأحداث الملتهبة التي تجتاحك بلا هوادة.

Ad

أريد وأتمنى فرصة صغيرة أجمع فيها طاقتي الموزعة في نتف منثورة في ملاحقة ومتابعة هذه الثورات والانقلابات، والكوارث الداخلة في سباق عجيب ليس معلوما من يكون فيه الفائز، وماذا ستنتهي إليه كرتنا الأرضية المتحملة لكل هذا الظلم الذي أوقعناه عليها.

من بداية هذا العام الذي قررت أن أبدأ كتابة روايتي الجديدة مع بدايتها، وإلى الآن لم استطع أن أنهيها بسبب هذه الثورات والقلاقل التي وضعت مشاعري على حد السكين خوفا وقلقا ومتابعة مستمرة لها صرفتني عن الكتابة فيها، وكلما هممت في الكتابة حل علينا حدث أمرّ وأدهى، حتى وصلت الأمور إلى حافتها واكتملت في تسونامي وزلزال اليابان الرهيب، الذي يبدو كأنه بروفة لما ستكون عليه نهاية العالم، والذي عجزت مخيلة مخرجي السينما العالمية عن الإتيان بمثله، والذي وضع المشاهدين في متابعة مستمرة لتلفزيون الواقع الذي لم تكن أحداثه تخطر على بال أحد.

وبكارثة اليابان انحلت طاقة تفكيري «وتطشرت» في أكثر من مكان موزع على الشاشة وأحداثها.

فمن أحداث مصر إلى ليبيا التي لم أزرها قط في حياتي، ومع ذلك حفظت أسماء مدنها وأمكنتها ومواقعها الجغرافية التي لم يكن لي أي علم بها.

ومن ليبيا إلى البحرين البلد الخليجي المحبوب والذي هو قطعة من القلب، بدأت تتألم وتحترق ولا ندري إلى ماذا سيؤول إليه حالها، الذي نتمنى من الله أن يلطف بها ويضعها في المستقبل الذي يريده شعبها ويطمح إليه.

ومازالت روايتي تتخبط في أحداثها الملتهبة طالما كان العالم من حولي مازال يتخبط في أحداثه المضطربة.

ولا أدري كيف سيكون مصير هذه الرواية التي تصاحبت ولادتها مع ولادة أخطر ثورات التحرر العربية، وأسخن الحوادث التي بات يمر فيها العالم كله.

أكتب... في الرواية وعقلي ووجداني موزعان حول هذه البؤر الساخنة والتي لم تبرد بعد، والكتابة الروائية على الخصوص تحتاج إلى انفصال وعزلة عن كل ما هو من حولها حتى توفر للكاتب التركيز الكافي الذي يمكنه من الكتابة.

فكيف تستطيع المرأة الكاتبة أن تنعزل وفي رقبتها مسؤولية أسرة، بكل ما تعنيه هذه المسؤولية، إلى جانب انفعالها وانشغالها بكل هموم العالم الذي يغلي من حولها. فكيف تُكتب الرواية في وسط هذا الضجيج المحاصر لها من جميع الاتجاهات؟ وبالرغم من ذلك أستمر في كتابتها وأنا مشاعري موزعة على أكثر خط، في ما بين الحياة العامة والخاصة.

ولأول مرة أجدني عاجزة عن إدراك سير مصيرها وإحساسي بها، فمع تشتت تفكيري ومشاعري بت أتصور أن الرواية باتت مشتتة مثلما أنا مشتتة فيها، ولا أملك القدرة على الحكم عليها أو تقدير جودتها ومدى أهميتها.

ومع كل ذلك التشتت فإن روايتي تسير في طريقها بالرغم من كل الأعاصير التي تحيط بها.

لكن كيف سيكون تأثيرها على روايتي، وما الذي ستعكسه على كتابتي فيها، فهذا ما ليس لي به من علم.

بكرة وحده هو الذي يملك مفاتيح الغيب كلها، وما على الروائي إلا أن يستمر في كتابة روايته مهما كانت الأوضاع التي تحيط به، سيئة أم جيدة أم رديئة، الكتابة التزام أدبي يسير في دربه من دون أن تعوق من مسيرته معوقات الطريق مهما كان شكلها أو نوعها، أو قربها وبعدها من الكاتب.

وحين تصل الرواية إلى يد القارئ لن يدرك أبدا ولن يدري ولن يحس بمشاعر وظروف الروائي في زمن كتابتها، وسيقرأ أحاسيس ليس لها أي علاقة بكاتبها وفي أحداث لحظة كتابتها، وهذا هو سر الفن وهو أيضا سر الكاتب.