آخر وطن: حب العُمر!

نشر في 14-01-2011
آخر تحديث 14-01-2011 | 00:00
 مسفر الدوسري كثير منّا يرتكب خطأ فادحاً بعد أن تنتهي قصة حب كان يعيشها،

معظمنا يحاول أن يمحو حبه السابق بحب جديد، حب ينتزع شوك النهايات من قلبه شوكة شوكة، ويذيب السكّر في مرارة اللحظات الأخيرة،

حب جديد يتشكّل رياحا تمزّق غيوم الحب السابق حتى لا تعود تمطر ذكريات حارقة،

ولا تعود تُنبت في الطريق عشبا طريّا عصيّا على الجفاف،

ولا زهرا يوقظ بشذاه الخلايا النائمة في ردهات القلب،

ولا تعود قادرة على هشّ فراشات الشوق كلما سكنت لتبقى عالقة في فضاء الروح، حب جديد نعتقد –خطأ- أنه الحل لانتشالنا من بئر سحيقة،

وأنه الوصفة السحريّة لإنارة الطريق الذي أظلم أمامنا فجأة،

وأنه تاريخ ميلادنا الجديد بعد أن توفانا الله بسكتة عاطفية مباغتة،

حب قادر على حل خيوط أكفاننا،

ونفض الغبار عن أجسادنا التي اتّشحت بزرقة الموت،

وغسل أجسادنا بالماء النقي، وتخليصها من رائحة الكافور،

ونفْخ الروح فينا وبعثنا من جديد بلا ذاكرة،

حب جديد يمنحنا أسماءً غير أسمائنا الأولى،

وملامح لا تشبه صورنا الساكنة منذ زمن في ألبوماتنا القديمة،

ويبدّل بصمات أصابعنا ببصمات أخرى لا تتطابق وتلك المحفوظة في السجلات المدنية الرسمية، لتكون صحائفنا بلا سوابق عاطفية، ولا مخالفات حب، ولا آهات موجعة، ولا نوافذ صفراء مفتوحة على دروب السهر، ولا عيون أنهكها السهد،

غالبا ما نبحث بعد كل قصة حب عن حب قادر على فعل المستحيل،

حب يطهّرنا من ذنب حبنا السابق،

يكون جسرا نعبر عليه ليخرجنا من النار إلى جنات النعيم والفردوس المبتغى!

وغالبا أيضا ما تكون نتيجة محاولتنا تلك مُحبِطة، وأكثر خيبة من خيبة قصة حبنا الذي مضى،

وغالبا ما يسقط الحبيب الجديد في فخ المقارنة مع الحبيب السابق،

وسقوطه ليس بالضرورة لأن الحبيب السابق أفضل منه، بل على الأرجح لأننا منحازون من حيث لا نعي إلى ماضي مليء بالذكريات، وغني بالأيام والعِشرة، والشوق،

يدخل الحبيب الجديد في حرب غير متكافئة مع شبح مدجّج بسلاح الحنين الذي ندعم به نحن ذلك الشبح،

شبح اعتدنا معه حتى عاداتنا السيئة لدرجة أننا أحببناها!

وكثيرا ما يسقط الحبيب الجديد لأننا ببساطة حاولنا جعله رغما عنه نسخة كربونيةٍ عن حبيب فقدناه!

نفشل دائما في إحلال قصة حب محل أخرى سابقة، ونفشل في إحلال حبيب محل حبيب سابق، ونظل نبحث طوال العمر عن قصة تنسينا أول قصة حب حقيقية عشناها.

أعتقد أننا بذلك نرتكب خطأ عظيما، ليس لأننا نعرّض أناسا أبرياء للظلم وحسب، بل لأننا نضيّع أعمارنا سدى، وقد نضيّع بشائر حب ربما يضيف لأعمارنا جمالا يضاف إلى ما سبق.

يجب أن نعتبر أن أي قصة حب جديدة لا تعدو عن كونها فصل جديد متمم لفصل سبقه في قصة حب واحدة لا ثاني لها.

كل قصة حب هي حلقة في مسلسل طويل واحد يمثّل... حب العُمر.

back to top