مقرِّر لجنة العقيدة في مجمع البحوث الإسلاميّة د. عبدالمعطي بيومي: محاربة العنوسة بتعدّد الزوجات قضية خاسرة

نشر في 15-08-2010 | 00:00
آخر تحديث 15-08-2010 | 00:00
أحد العلماء المستنيرين والمثيرين للجدل أحياناً، وأحد أبرز المنحازين لقضايا المرأة المسلمة والمدافعين عنها وعن حقوقها، له آراؤه الثاقبة في قضايا كثيرة تخصّها. إنه د. عبد المعطي بيومي، العميد الأسبق لكلية أصول الدين في جامعة الأزهر ومقرر لجنة العقيدة في مجمع البحوث الإسلامية في الأزهر.

في حواره مع «الجريدة» يؤكد د. بيومي أن الفهم الديني الذي لا يميّز في المعاملة بين المرأة والرجل ينطلق من طبيعة الإسلام بمبادئه الصحيحة منذ عهد الرسول (صلى الله عليه وسلم)، ولم يتغير هذا الفهم تجاه المرأة إلا بتشوّه التفسيرات للتعاليم الشرعية واختلاطها بالعادات والأعراف الاجتماعية، مشدداً على أن النقاب ليس فرضاً ولا سنّة ولا مستحباً ولا حتى فضيلة.

كيف يحرص الإسلام على المرأة ويعلي من شأنها داخل المجتمع المسلم؟

يتأكد حرص الإسلام على المرأة وتعزيزه مكانتها من خلال وصيّة الرسول (صلى الله عليه وسلم) بهن في آخر لحظات حياته، حين قال: «الصلاة.. الصلاة.. النساء.. النساء»، وكانت تلك آخر وصية من جانبه للمسلمين، وكان (صلى الله عليه وسلم) قد أوصى بالنساء أيضاً في خطبة الوداع: «واستوصوا بالنساء خيراً»، وحين قال أيضاً: «ولا يكرمهن إلا كريم ولا يهينهن إلا لئيم».

كانت المرأة في عهد الرسول (صلى الله عليه وسلم) تتمتع بالمساواة الكاملة في الحقوق والواجبات، كما يقول النص القرآني، الذي لا يحتوي على أي تفرقة بين الرجل والمرأة، ويقول فيه المولى عزّ وجل: «أَنِّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى» آل عمران 195، ويقول أيضاً: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ» النساء 1، أي أن القرآن الكريم ينصّ على أن الرجل والمرأة من نفس واحدة ومن عنصر واحد، لذلك وللفهم الديني الصحيح، في عصر الرسول (صلى الله عليه وسلم) كانت المرأة تتمتع بكل الحقوق.

كيف نالت المرأة حقوقها في عهد النبي (صلى الله عليه وسلم)؟

كانت هناك مناظرات بين بعض السيدات وبعض الصحابة، مثل التحاور الذي دار بين السيدة أم سلمة وعمر بن الخطاب، وكانت تنكر عليه وينكر عليها، وكان لها صوت مسموع وعال في وجود الرسول (صلى الله عليه وسلم) وكثير من الصحابة، بل شاركت في الحياة السياسية وفي مبايعة الرسول، وهي مبايعة يمكن تشبيهها بأنها «مجلس تشريعي»، وقد بايع الرسول النساء أولاً، سجل القرآن الكريم ذلك في آياته التي تقول: «يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَن لّا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا» الممتحنة 12، وكان ذلك هو النص نفسه الذي بايع الرجال الرسول عليه.

كذلك شاركت المرأة في الجيوش وكانت مستشارة للرسول، كما حدث في صلح الحديبية، وتروي الأحاديث، ولم يكن يتم تجريحها مثل الرجال، فلا توجد امرأة واحدة جرحت في رواية الحديث وقيل إن روايتها ليست صحيحة أو غير ضابطة أو ليست ثقة، كما كان يحدث للرواة الرجال. حتى عندما جمع القرآن الكريم استودع عند امرأة وهي السيدة حفصة بنت عمر، وظل عندها مدة طويلة، أي أن امرأة كانت مؤتمنة على أهم وثيقة في الإسلام وهي القرآن الكريم.

ذلك الفهم الديني الذي لم يميز في المعاملة بين المرأة والرجل في عهد الرسول كان طبيعة الإسلام نفسه.

إذاً لماذا اختلفت آراء فقهاء الإسلام حول المرأة في بعض الأحكام بعد ذلك؟

حدث ذلك مع انتشار الإسلام في البلاد التي تمّ فتحها حيث تفرّق المسلمون فيها وتشعبوا واختلطوا بأهلها بعاداتهم وثقافاتهم، واختلطت التعاليم بالتقاليد وأثرت على الكثير من الفقهاء والمفسرين، الذين ربما فسروا القرآن وهم متأثرون بثقافة بيئتهم، لذا رأينا اختلافاً في المواقف بينهم، ليس حول المرأة فحسب بل في بعض العبادات وفي بعض الأحكام الإسلامية حيث كان دافع الثقافة الإسلامية مختلفاً من جهة إلى أخرى، هكذا كان الاختلاف بين الفقهاء حول المرأة والرأي فيها وأسلوب معاملتها.

مثلاً كان الإمام شمس الدين الرملي، يستنكر تولي المرأة للقضاء فيقول: «إذا ابتلي الناس بقاض امرأة أوثق أي عبد رقيق أو أعمى هل يجوز له القضاء» أي أنه وضع المرأة مع العبيد وغير المؤهلين للقضاء من المعاقين، بينما رأى الإمام ابن حزم أنه يصلح أن تتولى المرأة القضاء بلا أي محاذير.

هذا الموقف المتفهّم والمستنير لابن حزم دفعني شخصياً إلى دراسة الأسباب التي كانت وراء هذا الموقف من المرأة، فوجدت أن الذين أشرفوا على تربية ابن حزم كانوا جميعاً من النساء، فالتي حفّظته القرآن الكريم امرأة، والتي علمته القراءة والكتابة امرأة، وحتى التي علمته حفظ الحديث كانت امرأة.

ثمة أقاويل تؤكد أن ما يطلق عليه «عصر الحريم» والمرتبط بارتداء النقاب أيضاً بدأ في عهد النبوّة فكيف ترد على ذلك؟

ما يطلق عليه «عصر الحريم» لم يبدأ في عهد الرسول (صلى الله عليه وسلم) ولا في عهد الصحابة (رضوان الله عليهم أجمعين) من بعده، إنما بدأ عندما وصل الإسلام إلى بلاد تنظر إلى المرأة على أنها شيء من المحرمات، من هنا جاء اسم «الحريم»، وتأثر الفكر الإسلامي بهذه النظرة البيئية البحتة التي لم يأتِ بها كتاب أو سنّة، والدليل أن المرأة في عهد الرسول (صلى الله عليه وسلم) كانت كاشفة الوجه وتخاطبه ويخاطبها، وهناك أحد عشر حديثاً صحيحاً رواها البخاري تدلّ على أن النساء كن يكشفن وجوههن أمام الرسول، حتى الأحاديث تروي أنه قد جاءت إلى الرسول (صلى الله عليه وسلم) مجموعة من النساء وبينهن امرأة سفعاء الخدين، أي بها حروق في الخد، فمن أين عرف الراوي أن في خديها حروقاً إلا إذا كانت كاشفة لوجهها، ثم كان الرسول (صلى الله عليه وسلم) يعرف نسب هذه المرأة التي تأتي لزيارته وأنها امرأة فلان أو عمة فلان، كذلك كانت النساء يصلين في عهده في المسجد من دون وجود مكان مخصص لهن. اليوم وبعد مضي ما يقرب من 1400 عام على وفاة الرسول (صلى الله عليه وسلم) ثمة مساجد خاصة بالنساء.

كانت المرأة تحاور كبار الصحابة في عهد الرسول، أو في عهد حكم الصحابة الراشدين أنفسهم، وكلنا نعرف قصّة المرأة الشهيرة التي عارضت عمر بن الخطاب، عندما حاول أن يحدّد المهر بعدد من الأوقيات وما يزيد على ذلك ستصادره الدولة، فقامت امرأة، وقالت له ليس ذلك إليك لأن الله سبحانه وتعالى يقول: «وَإِنْ أَرَدتُّمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَّكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنطَارًا فَلاَ تَأْخُذُواْ مِنْهُ شَيْئًا أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا» النساء 20، فقال عمر: «أصابت امرأة وأخطأ عمر».

هل يعنى ذلك أنك ترفض ارتداء المرأة للنقاب جملة وتفصيلاً ولو حتى من باب الفضيلة؟

نعم، النقاب ليس فرضاً ولا سنّة ولا مستحباً ولا حتى فضيلة، ولا يوجد دليل من القرآن أو السنّة على كون النقاب من الإسلام، ولو كان فضيلة لتمسكت به نساء الصحابة، وكون بعض الفقهاء قالوا بفضيلة النقاب أو أفضليته أو استحبابه، فهو مجرد قول مرسل لا سند له من الشريعة.

أكدت دراسات عديدة أن ثمة نساء يرتدين النقاب هروباً من «المساءلة الأخلاقية» في مجتمعاتنا المعاصرة، فكيف يكون والحال كذلك فضيلة؟ لو كان النقاب فضيلة وكشف الوجه عورة، لما أمر الله المرأة المسلمة بكشف وجهها أمام خالقها في الصلاة وحين إحرامها لزيارة بيته، لأن الفضائل لا تترك ولأن العورات لا تكشف في أطهر مكان، وأمام الخالق العظيم.

إذاً التشدد في قضايا المرأة حالياً سببه الرئيس الخلط بين التقاليد والأعراف وبين التعاليم الشرعية.

هذا ما يحدث بالفعل، مظاهر التمييز ضد المرأة التي نراها حالياً إنما ترجع حقيقة إلى التقاليد والأعراف الاجتماعية وإلى التباس ذلك بالتعاليم الدينية والشرعية، بالإضافة إلى انتشار أحاديث عدة من دون أي سند صحيح لها، مثل: «وهلك الرجال حين أطاعوا النساء»، بينما الرسول (صلى الله عليه وسلم) نفسه أطاع النساء في أمور كثيرة، حيث كانت السيدة خديجة (رضي الله) عنها «وزيرة» للرسول الذي كان يستمع إلى آراء النساء في أمور عامة تختص بالدولة مثل «صلح الحديبية»، وفي معركة «أحد» انفضّ الرجال عن الرسول (صلى الله عليه وسلم) في لحظة ما ولم يتبقّ إلى جواره إلا امرأة ظلت تتلقى السهام والنبال بصدرها دفاعاً عنه، وهي السيدة نسيبة بنت كعب. يؤكد هذا الأمر على ضرورة تغيير النظرة المتشددة للمرأة داخل المجتمعات العربية والإسلامية والناتجة، بشكل أساسي، عن انتشار أبواق التشدد والتطرف على الفضائيات وفي وسائل الإعلام، والعودة إلى المنهج الإسلامي في التعامل مع المرأة وقضاياها.

يقدّم علماء كثر تفسيرات متعددة للقوامة، فما هو المفهوم الأرجح لها من وجهة نظرك؟

أوضح الله تعالى في آية النساء أن الرجل ليس أفضل من المرأة على العموم، بل وضع للقوامة شرطين: الأول «بما فضل الله بعضهم على بعض»، والضمائر هنا واضحة وتدلّ على أن بعض النساء أفضل من بعض الرجال والعكس، ووضع العلماء للأفضلية معايير عدة منها العلم والقدرة وغيرهما، كلها صفات مكتسبة وليست ذاتية أو جينية في الرجل أو المرأة، بالتالي يمكن لكل منهما أن يفضّل على الآخر.

الشرط الثاني هو «بما أنفقوا»، فجعل الإنفاق واجباً على الرجل وبه تتحقق القوامة، لكن مع إحراز المرأة العلوم المتنوعة وتفوّقها في المجالات المختلفة وقدرتها على كسب المال، أصبح بإمكانها الانفاق على أسرتها كالرجل، بالتالي يسقط شرط القوامة.

من يفسر آية القوامة على أن الرجل رئيس المرأة والحاكم عليها لأن الرجال أفضل من النساء لذلك كانت فيهم النبوة والحكم والقضاء، وهو كلام فيه تقليل من المرأة، فقد أخطأ خطأ كبيراً. فعندما يقول إن الرجل أفضل من المرأة على الإطلاق لأسباب ذاتية في نفسه، يخالف البداهة ويخالف الإنسانية بل يخالف الدين، إذ كيف يقول الله: «أَنِّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ» آل عمران 195، أي كلاهما من معدن واحد، ثم يأتي ابن كثير أو غيره ويعتبر الرجل أعلى درجة من المرأة، كلام الله فوق كل تفسير والأفضل ما فسر القرآن بعضه بعضاً، فالمرأة والرجل متساويان أمام الله وعلى الناس ألا يقروا بهذه الأفكار الخاطئة.

لا تتردد الدول في غالبيتها في تعيين المرأة قاضية أو في المناصب القيادية، ومع ذلك يغيب هذا الأمر عن الساحة الإسلامية لماذا؟

من يحاول تغييب هذه المفاهيم والأمور التي يقرّها الإسلام فإن فهمه هو فهم متطرّف، يقول البعض عند الزواج إنه «سيملك» المرأة، ويسمي العقد «الملكة» وكأنه يمتلك رقبة زوجته، هذا فهم جاهلي لا علاقة له بالإسلام الذي يعتبر المرأة هي «الصاحب بالجنب»، أما في ما يتعلق بقضية القيادة والمناصب العامة، فقد أثبت منذ عام 1997 وبكافة الأدلة الشرعية أن المرأة تستطيع، بحكم الإسلام، أن تتولى القضاء، بل تتولى رئاسة الدولة، لأنه يجوز لها ما يجوز للرجل بخاصة في النظام الديمقراطي البعيد تماماً عن مفهوم الولاية العظمى القديم.

تتوزع في النظام الدستوري المؤسسي مسؤوليات على مؤسسات الدولة المختلفة بعكس نظام الولاية العظمى الذي كانت كل السلطات فيه تنبع من الحاكم الفرد، لكن، للأسف الشديد، تعاني المرأة المسلمة منذ قرون من قهر التفسيرات الخاطئة للشريعة الإسلامية.

هل تعتقد بأن المرأة قادرة بالفعل على تحمل المسؤوليات وقيادة الحركات للتغيير الإيجابي في المجتمعات المسلمة؟

المرأة المسلمة قادرة بالفعل على قيادة حركة التغيير في المجتمع، ومواجهة المواقف برؤية متوازنة مستمدّة من الشريعة الإسلامية، وكل التحديات التي تعترض المرأة المسلمة لا سيما المساواة بينها وبين الرجل، ضرب من ضروب المستحيل، وذلك لأمور تتعلق بالفطرة الإنسانية التي تقسم الأدوار بين الطرفين، فهناك وظيفة للرجل في المجتمع منوط بها، وللمرأة وظيفتها أيضاً، ويكمن العلاج لكل المشكلات في الشريعة الإسلامية من خلال منهج وسطي متوازن لا إفراط فيه ولا تفريط، يعطي المرأة حق المشاركة في مجالات الحياة كافة حسب فطرتها وسجيتها.

يخلط كثر بين مفهوم التأديب كما أراده الإسلام وبين ثقافة ضرب المرأة وكأنها حق ديني. ما تعليقك على ذلك؟

تأديب الرجل لزوجته وتقويمه لها بما شرّع الله عزّ وجلّ حق أصيل له، أما ثقافة ضرب المرأة، فهي تطبق اليوم وتنسب إلى الإسلام وهو منها براء، لأن كثيراً من الرجال يستخدمون العنف ضد المرأة كحقّ ديني، وهذه جريمة لا يقرها الإسلام.

أمر الرسول (صلى الله عليه وسلم) بالضرب فعلاً ولكن لصنف خاص من النساء لا ينفع فيه وعظ أو هجر في المضجع، فينتظر بدلاً من أن يطلّقها ويفرّق بينها وبين أولادها ويضطر لهذا السلوك، على أن يكون الضرب بالسواك وهو أشبه بالعصا الرفيعة الخفيفة غير المؤلمة أي أنه ضرب رمزي.

من الشبهات التي يثيرها المتربصون بالإسلام قضية خلق المرأة والحديث النبوي»إنهن خلقن من ضلع أعوج»، فكيف يمكن الرد على ذلك؟

الأحاديث التي وردت في خلق المرأة صحيحة، وكون مصدر خلقها من ضلع ليس شيئاً ناقصاً بل كاملاً، فالضلع دائري لذا تميل المرأة نحو المودة والرحمة، وتميل نحو الزوج والعاطفة والرقة، فلماذا هذا الفهم الخاطئ؟ سواء خلقت حواء من ضلع أم لم تخلق، فالنتيجة واحدة، أصبحت المسألة تاريخية، ما يهمنا أن حواء وجدت وخلق منها ومن آدم أناس تكاثروا على الأرض، والأهم الآن كيف يحيا هؤلاء الناس، وكيف يعملون من أجل إعمار الكون وإعلاء كلمة الله.

ليست المشكلة في الحديث عن اعوجاج المرأة، إنما في إساءة تفسير الحديث وفهمه، فعبارة «المرأة خلقت من ضلع أعوج» تعني أن المرأة مختلفة عن الرجل في جوانب كثيرة، وعلينا أن نتعامل معها من منظور هذا الاختلاف وليس من منظور الاعوجاج، المرأة نصف المجتمع المسلم ولها من الحقوق وعليها من الواجبات ما على الرجل، حينما جاء الإسلام أصّل لهذه الحقوق التي كانت محرومة منها.

كيف تنظر إلى قضية تعدّد الزوجات وبخاصة في ظل اعتبار البعض لها حلاً لمشكلة العنوسة؟

ثمة تصوّر خاطئ لكنه راسخ اليوم في الأذهان وهو أن تعدّد الزوجات في الإسلام حقّ لا حلّ، ثمة فرق شاسع بين الإثنين، يعني الحلّ أن التعدّد مباح إذا كانت هناك مشكلة يعمل على حلها التعدد، سواء كانت على مستوى الأسرة أو المجتمع، أما الحقّ فيعني أن التعدد مباح للرجل، وهذا لم يأت به الإسلام، إنما أباح الله تعالى التعدّد إذا كان حلاً وليس حقاً، والإباحة المطلقة معنى درج عليه العامة وغفل فقهاء كثر عن منطوق الآية وعن سياقها، والتي جاء فيها ذكر التعدد نفسه كحلّ لمشكلة اليتامى وليس لتشريع التعدد، حيث بدأت «وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُواْ فِي الْيَتَامَى فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء» النساء3، وسبب النزول هنا هو حلّ مشكلة اليتامى باستثناء إباحة تعدد الزوجات، ما يدلّ على أن التعدد حلّ وليس حقاً، ومنطوق الآية الصريح جعل التعدد أقرب إلى الظلم وجعل وحدة الزوجة أقرب إلى العدل، بقوله تعالى «فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَاحِدَةً» النساء 3، ثم يكرر سبحانه وتعالى المعنى في الآية بقوله: «فواحدة فذلك أدنى ألا تعدلوا»، يعني الأقرب إلى ألا تظلموا، فكيف بعد كل هذا فهم من فهم أن التعدد هو الأصل إذا كانت الآية تقول إنه أقرب إلى الظلم وهو استثناء لكفالة اليتامى؟

هذا الفهم للإباحة سقيم ويعكس الآية ويقلبها، لذلك نحن مع التعدد إذا كان حلاً، وفي حالة استخدام الرجل له كحق مطلق عندئذ لا بد من إحالة الأمر إلى القاضي ليتأكد من ضوابط تحقيق العدل.

رأينا أن كل تعدّد تنشأ عنه مشكلة لدى الزوجة الأولى ولكن ثمة حالات يسمح لها طبعاً، فإذا كانت الزوجة الأولى لا تنجب أو مريضة فهي تقدّر الظروف، ورأيت بنفسي حالات تختار فيها الزوجة «ضرّتها» لزوجها لأنها لا تنجب، ولكن عدا هذه الحالات نجد من التباغض ما ينزع الاستقرار الأسري داخل المجتمع ويثير نار الحقد والغيرة والفتنة بين أبناء الزوجات في التعدّد بخاصة بعد وفاة الأب.

من المؤسف أن علماء كثراً يرونه حقاً ومباحاً مطلقاً على رغم أن المعددين يعرفون أن الإسلام منصف كل الإنصاف عندما أباح التعدد، باعتباره حلاً وسطاً بين الطلاق والحياة في حالات استثنائية، وفي كثير من الأحيان بدلاً من اللجوء إلى معرفة الأخدان أي الصديقات بما يشيع الفاحشة، أما عن مقصد كلمة النساء في الآية الكريمة فهي تطلق على السيدات والفتيات، وقضية محاربة العنوسة بتعدد الزوجات قضية خاسرة لأن هناك مئات الحلول الاجتماعية والإسلامية لمواجهة العنوسة بعيداً عن العبث بالمبادئ والتعاليم الدينية.

back to top