منذ سنوات طويلة تشهد الكويت موجة تغيير أسماء المناطق والشوارع الرئيسية وإطلاق أسماء بديلة لها غالباً ما تكون لأبناء الأسرة الحاكمة وشخصيات أخرى خليجية ومحلية، حتى صدر أخيراً قرار صائب بأن تقتصر تسمية المناطق والمرافق العامة على أسماء الحكام فقط وبموافقة من المراجع العليا، وهو ما أوقف عملية مسح ذاكرة البلد وتاريخه، فمسميات المناطق هي ذاكرة أي بلد وتاريخه، إذ يشكل الاسم دلالة لحدث أو معلم ما يمس مكوناتها البشرية وأحداثها التاريخية وتضاريسها الجغرافية، وما حدث في تلك السنوات لا ينتمي إلى طبيعة المجتمع الكويتي وحكامه الذين عرف عنهم تاريخياً عدم ميلهم إلى نهج بعض المجتمعات العربية في تقديس حكامها وتخليدهم بالجداريات والتماثيل وخلافه من ممارسات النفاق والتخلف، فشيوخ الكويت هم الذين وضعوا على بوابة مقر الحكم (قصر السيف) العبارة الراقية والمتواضعة "لو دامت لغيرك... ما اتصلت إليك".

Ad

ولا يمكن لأي دولة أن تكون أسماء معظم مناطقها ومرافقها وشوارعها الرئيسية مرتبطة بشخصية أو حدث لا يمتد تاريخه إلى أكثر من خمسين عاماً، بينما وجود الكويت وتاريخها يناهز الثلاثة قرون، ويمكن الاستثناء من ذلك في الأحداث الكبيرة التي تمر على الأمم مثل الاستقلال الوطني أو التحرير من معتد احتل البلاد وأراد أن يضمها ويمحوها من الوجود ككيان ودولة مستقلة، وأيضاً ممن يقومون بأعمال فارقة لمصلحة بناء الدولة وازدهارها، لذا وعلى سبيل المثال فإن تغيير اسم شارع الاستقلال بما يمثله من ذكرى وأحداث في الذاكرة الوطنية كان أمراً مؤسفاً، رغم ما يحمله صاحب الاسم الحالي للشارع من معزة واحترام كبيرين في قلوب الكويتيين.

ونجد في غالبية الدول المتحضرة ما يسمى بالمرفق أو المنطقة التذكارية (Memorial) مثل المستشفى أو المنتزه التذكاري أو المكتبة التذكارية باسم شخصية وطنية أو شهيد قدم إلى بلاده عطاء وتضحية مميزة، وتوجد دائماً لوحة عند مدخل المعلم التذكاري تتحدث عن تاريخه وما قدمه إلى وطنه ليبقى خالداً اسمه وفعله لدى الأجيال القادمة، واليوم ومع قرب الاحتفال بالذكرى العشرين للتحرير، وإعلان وزارة الأشغال العامة إنشاء ثمانية مستشفيات جديدة، ألا يمكن للحكومة أن تبادر إلى إطلاق اسم مستشفى باسم الشهداء الذين ارتبطت أسماؤهم بأفعال المقاومة البطولية، فنرى مستشفى أسرار التذكاري الذي يحمل قصة أفعال وتضحيات الشهيدة أسرار القبندي البطولية، أو مستشفى وفاء التذكاري الذي تكتب على مدخله نبذة عن عمليات الشهيدة وفاء العامر الفدائية لتكون تذكاراً وقدوة لكل الأجيال الحالية والقادمة، تبرز ما يستحقه منهم وطنهم من عمل وفداء، وهي أحداث واقعية في تاريخ بلدنا، تتمناه دول أخرى لا تملكه فتصنع لنفسها أبطالاً من الخيال ليكونوا قدوة لأبنائها.

وأعلم أن البعض لديهم حساسية غير مبررة ومواقف سلبية تجاه ما يخص إبراز شهداء الغزو وأبطال التحرير وتسمية بعض المرافق والمواقع بأسمائهم لأسباب مجهولة، وقد سعوا بكل قوة بعد التحرير مباشرة إلى إغلاق هذا الملف وطيه ونجحوا في ذلك، ورغم شكي في أن تقوم الحكومة بمبادرة بهذا الشأن، فإنني أتطلع إلى أن يقوم أصحاب المبادرات الخيرية بتخليد شهداء التحرير، وعلى رأسهم السيدة الفاضلة عائشة المحري، التي يجب أن يسطر اسمها بالذهب في تاريخ العطاء الوطني لتقديمها عشرات الملايين من أموالها إلى المشاريع الصحية والاجتماعية داخل الكويت دون بهرجة وصخب إعلامي، لذا أتمنى من سيدة العطاء الكويتي أن تحقق هذه الأمنية الوطنية، وتبادر إلى وضع حجر الأساس لأحد مشاريعها الصحية الخيرية في الذكرى العشرين للتحرير، وتطلق عليه اسم مستشفى أسرار ووفاء التذكاري ليخلد ذكرى الشهيدتين البطلتين اللتين لم تنجبا ذرية ولكنهما ستبقيان أمهات وأخوات لكل الكويتيين، على أمل أن تلحق الدولة بمبادرات مماثلة حتى نبدأ حقيقة في عمل شامل لتعزيز الانتماء الوطني والتضحية والفداء للبلد بعيداً عن المكاسب الذاتية والانتماءات والمصالح الشخصية.