العراق دون العرب السنّة!

نشر في 03-10-2010
آخر تحديث 03-10-2010 | 00:00
 خلف الحربي لا أعرف كيف يمكن الحديث عن العرب السنّة في العراق دون أن تنهال على رؤوس المتحدثين الاتهامات المجانية بالتعصب المذهبي أو التعصب القومي؟! ولكن إذا كان ثمة متسع من الوقت للأفكار البراغماتية في هذا الزمان الصعب فإنه يمكن النظر للعرب السنّة في العراق باعتبارهم الفئة التي تملك قدرة غير عادية لإنقاذ العراق من شبح التقسيم والحرب الأهلية، فهم في موقعهم الجغرافي الذي يتوسط الخارطة العراقية يشتركون مع إخوتهم الشيعة في رابط العروبة، ويشتركون مع إخوتهم الأكراد في الرابط المذهبي، وهذا الوضع يؤهلهم دائما لأن يكونوا همزة الوصل السياسية التي لا يستطيع العراق الجديد النهوض على قدميه دون الاستعانة بخدماتها.

بعد الاحتلال الأميركي للعراق دفع العرب السنّة ثمن جرائم صدام حسين, وكانت نتيجة تحالف الجيش الأميركي مع الأكراد في الشمال والشيعة في الجنوب هي تصفية أي دور سياسي للعرب السنّة في العراق، فترك هؤلاء فراغا لا يستطيع أي طرف اليوم الادعاء بأنه قد نجح في تعويضه.

في الأيام الأولى للاحتلال الأميركي قاد العرب السنّة حركات المقاومة المسلحة وأصبح (المثلث السني) مأزقا حقيقيا للجيش الأميركي, ولكن بعد الضربات الساحقة التي تعرضت لها حركات المقاومة العراقية وجد أبناء هذه الأقلية أنفسهم موزعين بين خيارين أحلاهما مر، فإما القبول بدور هامشي ضعيف دون أي التزام حقيقي بحماية وجودهم, وإما التحالف مع تنظيم القاعدة الإرهابي كردة فعل طبيعية على محاولات سحق هويتهم.

وحين هبطت الديمقراطية على العراق بالبراشوت الأميركي تم التعامل معهم باعتبارهم رقما صغيرا في صندوق الاقتراع, إنها الديمقراطية التي فرضتها طائرات الشبح وصواريخ التوماهوك التي تتعامل مع البشر كأرقام دون أي عناية بالواقع السياسي والتعقيدات الثقافية والنسيج الاجتماعي للبلاد, وهي أيضا الديمقراطية التي اختطفتها ميليشيات ذات سجل دموي معروف فوجدت فيها غطاء شرعيا يمنح الأغلبية حق تصفية الأقلية.

تخيلوا لو تم التعامل مع الطائفة المارونية في لبنان باعتبارهم أقلية لا تستحق دورا سياسيا مؤثرا انطلاقا من عدد أصواتهم في الانتخابات! فهل لديكم أدنى شك في أن الكيان السياسي في لبنان سوف يتعرض للانهيار؟! هذا هو مأزق العراق الحقيقي اليوم، فقد ارتبط التكوين السياسي للعراق بالدور المؤثر الذي يلعبه العرب السنّة داخل العراق وخارجه، ولن تؤدي محاولات إقصائهم عن اللعبة السياسية إلا إلى المزيد من التقسيم والفوضى.

كل محب للعراق يشعر بوجود مشروع تقف وراءه العديد من الأطراف لتقسيم هذا البلد العربي الرائد, وهذا المشروع يعتمد على نظرية بسيطة جدا تتلخص في اقتطاع المنطقة التي تتوسط خارطة العراق، وتحويلها إلى مساحة قلقة وشديدة التوتر، وهو ما يؤدي تلقائيا إلى عزلة المساحتين الجنوبية والشمالية عن بعضهما بعضا فيصبح التقسيم أمرا واقعا, فهل يدرك قادة العراق الجديد أنهم اليوم في أمس الحاجة لخدمات العرب السنّة حفاظا على وحدة العراق، أم أنهم سيستمرون في مطالبتهم بتسديد فاتورة الدم التي تركها صدام حسين؟!

* كاتب سعودي

 

كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء

يمكنك متابعة الكاتب عبر الـ RSS عن طريق الرابط على الجانب الايمن أعلى المقالات السابقة

back to top