«جمعة الغضب» دخلت التاريخ السياسي الكويتي، ولاقت صدى إعلاميا واسعا وغير مسبوق، وأحدثت تأثيراً مباشراً في أصحاب القرار، وباختصار شديد نجحت سياسياً بسبب التعاطي الحكومي وشبه الحكومي معها.
فمن حيث المبدأ فإن حق التعبير عن الرأي وعبر الوسائل السلمية من مسيرات وندوات واجتماعات عامة أمر مشروع أقره الدستور، وكفلته القوانين المنظمة، وكرسته الثوابت الحضارية في المجتمعات المحترمة، بل إنه امتد أخيراً على طول الشارع العربي وعرضه رغماً عن الأنظمة حاكمة، ولا يوجد أي عذر أو مبرر لمصادرة مثل هذا الحق للشارع الكويتي أو أي من قطاعاته.ولذلك فإن التهويل والتهديد وتعابير الغضب والبوح عنها بتلك القوة والقسوة من قبل الحكومة وأنصارها، والاستنفار الأمني الكثيف الذي صور البلد وكأنه على أبواب ثورة شعبية عارمة، وردود الفعل اللاحقة بما في ذلك التحريض على ملاحقة منظمي التجمع، وحتى تصريحات سمو رئيس مجلس الوزراء شخصياً بعد «جمعة الغضب» كانت هي عوامل تأثير التجمع الشبابي وحقيقته على أرض الواقع.وبمعنى آخر فإن الغضب والانفعال والتشنج وضيق الصدر والأفق كانت من الطرف الحكومي ومن اصطف خلفه، وهذا بجد ذاته يكشف عن وجود مشاكل حقيقية في البلد قد تتفاقم، وقد تتسع دوائر المعارضة الشعبية عليها إذا لم تعالج بشكل جذري، ولو ترك خصوم «جمعة الغضب» هذا اليوم ليمر على طبيعته، وفي حجمه الطبيعي لما أعطي هذا الزخم المهم.وعلى شاكلة الحراك العربي المتدفق وغير القابل للتراجع فإن مسار «جمعة الغضب» وأخواتها من الجمع القادمة قد ترتفع وتيرته ويتسع نطاقه إذا ما بقيت مشاكلنا السياسية وطريقة إدارة الدولة محبوسة خلف قضبان العناد والتخوين والإقصاء.ولكن تبقى هناك بعض الملاحظات على طريقة أداء المعارضة السياسية سواء داخل المجلس أو على مستوى الشارع الكويتي وأساليب وأدوات التعبير عنها بما في ذلك التجمعات العامة، رغم التفهم الكبير لمادة المعارضة، واتفاقنا على عناصرها الأساسية والمبدئية، وفي مقدمتها محاربة الفساد الذي تحول إلى أخطبوط منظم لا يشبع، والتخبط السياسي الذي مزق المجتمع الكويتي وتركه في مواجهة بعضه بعضا، والفشل الإداري الذي حول الدولة إلى عزب و»كانتونات» السيطرة فيها تكون لمن يتولى المناصب القيادية، ولكن المعارضة فشلت لحد الآن في خلق أرضية مشتركة عريضة وجبهة وطنية موحدة تستمر قوتها فيها، ليس لمواجهة الحكومة إنما لمواجهة الرأي العام الذي اصطف بدوره انطلاقاً من مبدأ الفزعة، وساعده على ذلك التصريحات والسلوكيات والممارسات الاستفزازية والمتهورة لبعض رموزها؛ سواء من النواب أو النشطاء أو الكتاّب الذين يساهمون في المزيد من الاستقطاب وبالتالي العناد، والنتيجة الطبيعية هي ضياع بوصلة المعارضة ونجاح خصومها باحتوائها في إطار القبلية والطائفية وفي حدود الدائرة الرابعة والخامسة.ولهذا فإن المعارضة، وكما هي الحال في سائر الدول والمجتمعات، لا يمكن أن تنجح كبديل يحظى بثقة الرأي العام إذا لم تترفع عن الشعارات الضيقة والمنطلقات الصغيرة، وتنصهر في إطار وطني عام لا يمكن اختراقه من قبل المتنفذين والمتمصلحين والأغلبية الصامتة التي تحركها العواطف والمشاعر يمنة ويسرة!! كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراءيمكنك متابعة الكاتب عبر الـ RSS عن طريق الرابط على الجانب الايمن أعلى المقالات السابقة
مقالات
غضب الجمعة!
31-05-2011