راح باراك أوباما يُطالب منذ خريف عام 2009 البيت الأبيض بوضع «خطة لتسليم المهام في أفغانستان والانسحاب من هذا البلد»، مع أنّه بنى حملته الانتخابية على فكرة أن حرب أفغانستان ضرورية بينما حرب العراق «غبية». فقد أخبر أوباما وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون في شهر أكتوبر 2009: «لن أبقى عشر سنوات في أفغانستان، ولن أنفذ خطة بناء دولة طويلة الأمد، ولست مستعداً لإنفاق تريليونات الدولارات»، ولكن رغم مطالبة أوباما الحثيثة بخطة خروج من أفغانستان، يواجه معارضة مستمرة من كبار قادته العسكريين.

Ad

بالنظر إلى ما سربته صحيفة New York Times  ونُشر في Washington Post، يشكل هذا الواقع الدافع وراء «حروب أوباما» (Obama’s Wars)، أحدث كتب الصحافي بوب وودورد، الذي ذاع صيته في سبعينيات القرن الماضي، حين ساهم خلال عمله في Washington Post في كشف النقاب عن فضيحة «ووترغيت». يتضمن هذا الكتاب عدداً من الأخبار التي تُعتبر سبقاً صحافياً، ويشتهر بوب وودورد بقدرته على حمل القياديين البارزين على إطلاعه على ما دار من حوارات خلال الاجتماعات المهمة. على سبيل المثال، يقتبس في كتابه السادس عشر هذا كلمات مستشار الأمن القومي جيم جونز، الذي حط من شأن فريق أوباما السياسي. فقد وصف هذا الفريق بـ»المافيا» و»المكتب السياسي لحزب شيوعي». كذلك نقل عن الجنرال ديفيد بتريوس قوله لفريقه الخاص إن أوباما «يعبث مع الشخص الخطأ».

يتمحور هذا الكتاب حول مراجعة أوباما لاستراتيجية الحرب في أفغانستان في النصف الثاني من عام 2009 ونزاعه مع الجنرال ديفيد بتريوس ( الذي كان آنذاك قائد القيادة المركزية) والأميرال مايك مولن، رئيس هيئة الاركان المشتركة للقوات الأميركية. يرد في الكتاب أن أوباما طلب خطة خروج من أفغانستان مقابل إرسال ثلاثين ألف جندي إضافيين الى أفغانستان، لكنه لم يحصل على مبتغاه. تذكر صحيفة  Washington Post أن أوباما «رسم في النهاية استراتيجيته الخاصة» للثلاثين ألف جندي الذين أرسلهم، مع العلم أن هذا العدد شكّل بحد ذاته تسوية بين 40 ألف عنصر طالب بهم القادة العسكريون و20 ألفاً اقترحهم نائب الرئيس جو بايدن. وبعد أن ضاق أوباما ذرعاً بقادته العسكريين، وضع «وثيقة بنود» من ست صفحات تسعى للحد من توسع المهمة الأميركية في أفغانستان وتحديد أهدافها على نحو ثابت.

منذ ذلك الحين، تولى الجنرال ديفيد بتريوس زمام القيادة في أفغانستان، ولا شك أن ميله إلى استراتيجية لمكافحة التمرد شبيهة بما اعتمده في العراق ومخاوف أوباما من حرب مفتوحة في أفغانستان ستغذي النزاعات بينهما نحو منتصف عام 2011، التاريخ المحدد لبدء خفض عدد الجنود. ووفق وودورد، أبلغ أوباما القادة العسكريين عام 2009 أنه لا يريد عام 2010 سماع أي طلب بإرسال عدد أكبر من الجنود الى أفغانستان أو تغيير المهمة، «إلا إن كان ذلك بغرض تخفيض عدد القوات بطريقة أسرع من تلك المرتقبة عام 2011»، ويؤكد الكتاب أن أوباما استخلص منذ البداية أنه يملك «عامين مع الشعب لإنهاء هذه الحرب».

سمح البيت الأبيض لوودورد بالحصول على وثائق رسمية وبإجراء مقابلات مع كبار المسؤولين. قد تتساءلون عن سبب ذلك، خصوصاً أن هذا الكتاب قد يؤدي إلى تداعيات سلبية في أفغانستان وباكستان وواشنطن. فبحسب ما ورد في الكتاب، تؤكد أجهزة الاستخبارات الأميركية أن الرئيس الأفغاني، حامد كرزاي، يعاني اكتئاباً هوسياً. كذلك يفيد وودورد أن الاستخبارات طورت جيشاً سرياً مكوّناً من ثلاثة آلاف عنصر من رجال القبائل، يعملون داخل باكستان ويؤلفون وحدات تُعرف بـ»فرق مكافحة الإرهاب وملاحقة مرتكبيه». في الإجمال، قد يعزز «حروب أوباما» سمعة الرئيس بإظهاره كشخص لا يساوم بسهولة، شخص عقد عزيمته على الحد من حماسة الجيش، لكنه سيساهم أيضاً في تعقيد علاقة أوباما مع حلفاء الولايات المتحدة، فضلاً عن قادته العسكريين.