تعمد رئيس الحكومة سعد الحريري خلال اليومين الماضيين توجيه أكثر من رسالة سياسية وإعلامية في اتجاه أكثر من فريق سياسي وحزبي محلي وإقليمي، صبت كلها في خانة ضرورة أخذ خصومه السياسيين وحلفائهم الإقليميين في الاعتبار أن ليونته ودعواته المتكررة إلى استيعاب حالة الاحتقان التي يشهدها لبنان، وإلى معالجة الهجوم الذي يشنه "حزب الله" وحلفاؤه في قوى "8 آذار" على المحكمة الدولية وداعميها، بالحوار والتفاهم، لا تعنيان ضعفاً أو هرباً من المواجهة أو استعداداً للمساومة على المبادئ المتعلقة بأسس قيام الدولة أو على المحكمة الدولية الخاصة بلبنان، التي تتولى النظر في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري ورفاقه والجرائم التي يمكن للتحقيقات أن تظهر ارتباطها بها.

Ad

ومن أبرز ما توقف عنده المراقبون في هذا الإطار ما يلي:

1- المؤتمر الصحافي الذي عقده النائب عقاب صقر في مقر الأمانة العامة لقوى 14 آذار. فبالإضافة إلى أن مضمون المؤتمر يعكس قراراً سياسياً لدى الحريري بالخروج من الصمت، ومواجهة الواقعة الاتهامية التي تستهدفه، ليس فقط بواقعة تدحض الاتهام وإنما تعيد الاتهام إلى أصحابه ومطلقيه، فإن انعقاد المؤتمر في مقر الأمانة العامة لقوى 14 آذار جاء بمنزلة رسالة إلى مَن يعنيهم الأمر في لبنان والخارج بأن تحالف قوى 14 آذار لا يزال بالنسبة إلى رئيس الحكومة ركناً أساسياً من أركان الحياة السياسية في لبنان، وجزءاً لا يتجزأ من أدوات العمل السياسي والوطني التي يركن إليها الحريري على الرغم من المطالبات المتلاحقة من سورية وحلفائها بضرورة فرط هذا التحالف وفك الارتباط بين الحريري من جهة وحلفائه المسيحيين من جهة مقابلة، على غرار ما أقدم عليه رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب وليد جنبلاط.

2- تزامن المؤتمر الصحافي للنائب عقاب صقر مع الزيارة الخاطفة التي قام بها الحريري للقاهرة للقاء الرئيس المصري حسني مبارك وكبار معاونيه، والأمين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى. وقد جاءت هذه الزيارة عشية زيارة الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد للبنان. ويبدو أن الحريري تعمد من خلال زيارته القاهرة توجيه رسالة بأن لبنان لا يزال يتمسك بعمقه العربي وبأن التفاهم مع سورية، والعلاقة مع إيران لا يعنيان خروج لبنان من حاضنة الشرعية العربية المتمثلة في جامعة الدول العربية وقراراتها، وخصوصاً المبادرة العربية للسلام، التي تَجهد كل من السعودية ومصر لإعطائها الدفع المعنوي والدبلوماسي المطلوب للوصول بها إلى الخواتيم المرجوة. كما أن استقبال نجاد في بيروت لا يعني أن لبنان بات في خندق التحالف السوري– الإيراني متخلياً بذلك عن علاقاته ومصالحه الحيوية مع بقية الدول العربية.

ولاحظ المراقبون أن رسالتَي الحريري تزامنتا مع رسالة موازية وجهتها تركيا من خلال القمة التي جمعت في دمشق رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان مع الرئيس السوري بشار الأسد، والتي تناولت في جانب منها العلاقات اللبنانية– السورية من ضمن المشروع التركي الهادف إلى إطلاق تعاون رباعي تركي– سوري– أردني– لبناني، وهو تعاون لا بد أن يشكل في جانب من جوانبه محوراً لمواجهة تمدد النفوذ الإيراني في المنطقة، وهو ما من شأنه أن يضيق هامش المناورة السوري الهادف إلى الجمع بين المشروعين التركي والإيراني.