توشك الحكومة الكويتية أن تتخذ قراراً هاماً وتاريخياً الشهر المقبل بإلغاء نظام الكفيل للعمالة الوافدة واستبداله بتبعية العمالة الأجنبية البالغة تقريباً 2.3 مليون وافد لهيئة القوى العاملة الحكومية التي ستقوم بدور الكفيل والمرجع القانوني لإقامة الأجنبي في البلاد، هذا القرار ستكون له تداعيات وآثار اقتصادية وأمنية واجتماعية ضخمة ومؤثرة في الكويت، لن تتضح إلا بعد تطبيقه، وإن كانت هناك تنبؤات بطبيعة تلك التداعيات والآثار.
أعتقد أن حكومتنا تنظر إلى القرار على أنه سيكون فتحاً للكويت مع المنظمات الدولية المعنية بشؤون العمال وحقوق الإنسان، ودعاية مؤثرة للكويت في المحافل الدولية، ولكن لا تعلم بدقة أثره في البلد، فطبيعة العمالة الوافدة لدول الخليج النفطية تختلف تماماً عن العمالة المهاجرة إلى أوروبا وأميركا الشمالية التي تبحث عن الهجرة والإقامة الدائمة هناك، بينما العمالة القادمة إلى دولنا تبحث عن تكوين مدخرات تؤمن مستقبلها وحياتها بسرعة للعودة إلى موطنها وأسرها، ولذلك فإن الأخيرة في سعي دائم إلى المكاسب السريعة والأجور الأعلى لتقليص فترة تغربها عن أوطانها، ولذلك فإن تحرير هذه العمالة ووضعها في عهدة جهاز حكومي محدود الإمكانات في وسط عجز وترهل الأجهزة الحكومية لمتابعة شؤون مليوني عامل أجنبي، ورفع مرجعية المؤسسات والشركات (الكفلاء) كسند قانوني لإقامتها سيجعل تلك العمالة بمختلف مستوياتها وجودة تأهيلها وخدماتها بلا ضوابط، وهائمة في البلد تفعل ما تريد وتفرض شروطها، وهو الأمر الذي سيؤدي إلى آثار رهيبة على أسعار السلع والخدمات المختلفة في الدولة. الدول الخليجية المتشابهة معنا في الظروف الاقتصادية والسياسية والاجتماعية درست خيار إلغاء نظام الكفيل ووجدت خطورة هذا الإجراء على استقرارها واقتصادها، باستثناء مملكة البحرين التي طبقته لاختلاف ظروفها الاقتصادية ومحدودية العمالة الوافدة لديها، بينما اتجهت المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة إلى إصلاح نظام الكفيل ووضع ضمانات مشددة لحفظ حقوق العمالة الوافدة وحمايتها، علماً أن نظام الكفيل ليس اختراعاً خليجياً بل هو مطبق في دول غربية كثيرة (سبونسر)، وعلى سبيل المثال فإن الطالب الأجنبي في الولايات المتحدة تعتبر الجامعة الملتحق بها الطالب كفيلاً له في البلد، تقدم عنه تقاريرها إلى وزارة الأمن الداخلي، وتمده بنموذج الإقامة الذي يخوله قانونياً البقاء على الأراضي الأميركية. ولذلك فإن تعجل الحكومة بقرار إلغاء نظام الكفيل هو قرار ستكون له تداعيات خطيرة على كل مناحي الحياة في البلد، ولا يمكن أن أتصور أن يقوم جهاز حكومي بمتابعة النزاعات لمليوني عامل في آلاف الشركات والمؤسسات والمصانع بعد أن يشعروا بأنهم تحرروا من التزاماتهم تجاه مقار عملهم، ويمكنهم أن ينتقلوا بحرية إلى رب عمل جديد، وكيف يمكن لجهاز حكومي أن يتابع هذه النزاعات بينما لا تستطيع كل أجهزة الدولة ضبط الدوام والأداء لـ400 ألف موظف حكومي فقط، رغم كل التقنيات المستخدمة من نظام البصمة وخلافه؟!...، بل إن الأخطر لو شمل هذا القرار العمالة المنزلية وخرج عشرات الألوف منها إلى الشوارع بعد أن يتحرروا من كفلائهم، للبحث عن وظائف جديدة... فماذا سيكون أثر ذلك على الأسر الكويتية والأمن في البلد.لا شك في أن الحل لحفظ حقوق العمالة الوافدة يكمن في تطوير القوانين والعقوبات المشددة ضد الكفلاء الذين يتجاوزون عليهم، وهو ما حدث بشكل كبير في قانون العمل في القطاع الأهلي الذي أقر في العام الماضي، وقانون منع الاتجار بالبشر المعروض حالياً على مجلس الأمة، إضافة إلى الرد بشكل شامل على تقارير المنظمات الدولية التي تضع تقارير عن أوضاعنا دون فهم واقع وظروف مجتمعاتنا، أما الاتجاه إلى إلغاء نظام الكفيل ونسفه فإنه يساوي الفوضى الشاملة والعارمة في البلد.
مقالات
إلى مجلس الوزراء... إلغاء الكفيل = فوضى عارمة
16-01-2011