وسط الزحمة في الأعمال الدرامية هذه السنة التي فاقت السنوات الماضية كمًّا إذ بلغت نحو 60 مسلسلاً، برز المسلسل السوري «وراء الشمس» علامة فارقة وحقق حضوراً قوياً ولفت الانتباه لأنه خرج عن المألوف في طرح المواضيع وتطرّق إلى مسأله بالغة الدقة وهي علاقة المجتمع بالمعوقين ونظرته إليهم...
خلافاً للمسلسلات التي تُعرض في الشهر الفضيل والتي تواجه في معظمها انتقادات شديدة سواء من ناحية التكرار في معالجة المواضيع أو سير الأحداث البطيء أو لأمور شتى أخرى على غرار مسلسلات «العار» و{الجماعة» و{بالشمع الأحمر»، حصد «وراء الشمس» إعجاب النقّاد والمشاهدين على السواء نظراً إلى الجدية في طرح موضوع الإعاقة والرسالة التي يحملها لا سيما التنبيه والتحذير من مغبّة تهميش المعوقين في المجتمع، ومساعدتهم على إبراز إمكاناتهم الهائلة التي يمكن الاستفادة منها لتأمين مستوى لائق لمعيشتهم، بالإضافة إلى كونه أول عمل تلفزيوني يطرح بشمولية قضية إنسانية قد تواجهها أي عائلة. تدور قصّة المسلسل حول زوجين شابين، منى (صبا مبارك) وعبادة (باسل خيّاط)، يعيشان بحب ووئام إلى أن يكتشفا أن الطفل الذي تحمله منى في أحشائها معوّق، فيقع خلاف حاد بينهما، إذ تتمسّك منى بحملها وتصرّ على إنجاب الجنين وتتقبّل إعاقته، فيما يتردّد عبادة في الإقدام على هذه الخطوة ويفكّر في التخلّص من الجنين.حرفيّة في الأداءيسلّط المخرج سمير حسين الضوء على مدى أحقيّة الأبوين، اللذين يكتشفان في وقت مبكّر من الحمل أن الجنين سيولد معوقاً، في التخلّي عنه كي لا يتحمّلا تبعات مستقبله وصعوبة تربيته وتأهيله. هنا يُظهر لنا المخرج مدى تعلّق الأم بجنينها الذي تشعر به وبتحرّكاته وهذا أمر لا يحسّ به الوالد ما يجعله أكثر قسوة وعقلانية من الأم. لا بد من الإشارة إلى حرفية الفنانة صبا مبارك في أداء دورها والإحساس العالي الذي تقدّمه في تجسيد الشخصية بحيث يقاسمها المُشاهد العذاب الذي يجتاحها من خلال نظراتها ودموعها. توضح مبارك أن الشخصية التي تجسّدها أثرت في حياتها لأنها تحمل رسالة سامية مؤكدة أنها عاشت الأحداث بتفاصيلها وأرهقتها المشاهد المؤثرة، تضيف: «بات ضرورياً الخروج من المواضيع التقليدية التي عالجتها الأعمال السابقة بإسهاب وطرح مواضيع اجتماعية يتم تجاهلها مع أنها موجودة بكثرة في المجتمع». تتوقف مبارك عند التساؤلات التي يطرحها المسلسل ومنها: حق الإجهاض، الفرق بين الغريزة والعقل والدين والواقع وغيرها من الأمور. بدوره، يعتبر الممثل باسل خياط أن الشخصية التي يجسّدها في المسلسل هي إحدى الشخصيات الاستثنائية التي قدّمها منذ بداية حياته العملية.ماجد وعلاءيتطرّق المسلسل إلى نماذج وحالات إعاقة مختلفة، كحالة الشاب ماجد الذي يؤدي دوره علاء الدين الزيبق (22 عاماً) وهو شاب معوّق، في سابقة هي الأولى من نوعها في الدراما العربية، إذ يؤدي شاب مصاب بـ «متلازمة داون» دور البطولة في مسلسل درامي ويجسّد شخصيّته الحقيقية على الشاشة لتسليط الضوء على ذوي الاحتياجات الخاصة. كذلك، يصوّر المسلسل الجهود التي يبذلها ماجد وعائلته للتكيّف مع إعاقته، والإمكانات المتاحة لاندماجه في الحياة الاجتماعيّة.يؤكد المخرج سمير حسين أن اختيار الزيبق تمّ من بين مئات المصابين بـ «متلازمة داون»، وأنه خضع لورشة تدريب على مدار أربعة أشهر، مشيراً إلى الصعوبة التي واجهها في البداية في توظيف الزيبق أمام الكاميرا، إلا أن فريق العمل استطاع، في النهاية، تحويله إلى ممثل موهوب قادر على التفاعل مع حركات الكاميرا بشكل جيد، لافتاً في الوقت نفسه إلى أن الزيبق على دارية بأنه يمثّل أمام الكاميرا ويدرك أنه سيظهر على شاشة التلفزيون... ومتحمّس لذلك.يعتبر حسين أن وجود الزيبق في عمل درامي مغامرةٌ بحدّ ذاتها، إلا أنه يحمل رسالة إلى العائلات العربية التي تعاني من تلك الحالة، ويقيم جسراً من التفاهم بين المعوقين وبين المجتمع.جرأة في الطرحتعتبر الممثلة نادين، التي تجسّد شخصية والدة ماجد، أن المسلسل جريء لناحية طرح موضوع ذوي الاحتياجات الخاصة للمرة الأولى في الدراما السورية، تقول: «لم يسبق أن أديت دوراً مماثلاً، تقربت في هذا العمل من هؤلاء الأشخاص وعرفت ما يفرحهم وما يحزنهم، ما يقوّيهم وما يضعفهم، هؤلاء هم ملائكة موجودون في البيوت وعلينا احترامهم. يبرز المسلسل نموذجاً ثانياً من نماذج الإعاقة العقليّة وهو التوحّد مع بدر (بسام كوسا)، فيظهر لنا مأساة هذه الشخصيّة. يؤكد كوسا أن «وراء الشمس» شكّل نقلة نوعية في حياته المهنية وأن تجسيده شخصية بدر لم يكن سهلاً إطلاقاً بل من أصعب الأدوار التي أدّاها، وقد استعدّ له من خلال الاحتكاك بالأشخاص الذين يعانون من التوحد والاستعانة بالمراجع والكتب والأفلام... يهدف مسلسل «وراء الشمس» إلى المطالبة بحياة ناجحة ولائقة لهؤلاء المعوّقين، واستنهاض الناس لتقديم الدعم لهم وتغيير النظرة السائدة إليهم بأنهم عالة على المجتمع، لأنهم يملكون من المواهب والطاقات الإبداعية ما يجعلهم عناصر فاعلة في محيطهم وبيئتهم.دور إعلامييشير منتج العمل هاني العشي الى أن طرح مثل هذه القضايا هدفه إعلامي بالدرجة الأولى، أي إعلام الناس بحقيقة ما يخفيه المعوق من آمال وآلام وتوعيتهم حول كيفية التعامل الصحيح معه وتوجيه رسالة للعالم ليهتمّ أكثر بذوي الاحتياجات الخاصة.«وراء الشمس» هو التعاون الرابع بين المخرج سمير حسين والكاتب محمد العاص، بعد مسلسلات: «أسير الانتقام» و{ليل ورجال» و{قاع المدينة»، وقد قدّما عبرها تجارب متنوّعة نالت استحسان المشاهدين.
توابل
وراء الشمس... علامة فارقة في الدراما الرمضانيّة
20-08-2010