الثقافة الجنسية (1)
مناهج الثقافة الجنسية لا تدور حول ممارسة الجنس والعملية الجنسية كما يحلو للبعض أن يتصور، بل هي في الأساس مادة علمية صحية اجتماعية، الغرض منها تنشئة أفراد طبيعيين متوازنين يفقهون أجسادهم واحتياجاتهم الإنسانية وكيفية التعامل معها بشكل حضاري وصحي.
في الوقت الذي تتعالى فيه المطالبات برأس وزيرة التربية في حال «تحديث المناهج» لابد أن نتساءل ماذا ستكون ردة الفعل في حال التغيير الجذري؟ ماذا لو فعلاً ألغينا تماماً تلك المناهج التي تنتهك حق الأسرة في تربية أبنائها وتتعدى على قيمها ومعتقداتها؟ ماذا لو استحدثنا مناهج لم يدرسها ولا يفقهها أمثال الطبطبائي وهايف، وكان غيابها هو العلة وراء الشخصية المتزمتة والعقول المغلقة؟تعد الثقافة الجنسية مركباً أساسياً في مناهج التعليم والتربية في المجتمعات الحديثة. ومفهوم هذه الثقافة ومناهجها يعانيان تشويهاً وضياعاً متعمداً وغير متعمد في دول العالم الثالث، بل يبقى أثر لهذا التشويه وسوء الفهم حتى في بعض الدول المتقدمة التي تفرض هذه الثقافة منذ المراحل الأولى من التعليم.فمناهج الثقافة الجنسية لا تدور حول ممارسة الجنس والعملية الجنسية كما يحلو للبعض أن يتصور، بل هي في الأساس مادة علمية صحية اجتماعية الغرض منها تنشئة أفراد طبيعيين متوازنين يفقهون أجسادهم واحتياجاتهم الإنسانية وكيفية التعامل معها بشكل حضاري وصحي. فتبدأ الثقافة بتعليم الأطفال الأساسيات حول الجسد البشري، وكيف يعمل وكيف يجب الاهتمام بصحته ونظافته بشكل علمي مدروس بعيد عن كتب الدين وتفاصيل «الاستنجاء بالرمل والحجر» في القرن الحادي والعشرين. ثم تتطور المادة مع عمر الطالب لتؤهله لمرحلة المراهقة والتعامل مع ما تأتي به من تغييرات جسدية ونفسية وحتى فكرية، فيتسلح الطفل بالمعلومة والمهارة والمراجع والمصطلحات القادرة على شرح همومه ومخاوفه في أدق مراحل حياته بدلاً من التحريم والترهيب المطلق الذي تنضح به كتب التربية الإسلامية.وفي هذه المرحلة يبدأ يتعرف على مفهوم الهوية الجنسية وما تعنيه بأسلوب أكاديمي محايد وبالمصطلحات العلمية الصحيحة، فلا يكبر ليؤلف مصطلحات كالجنوس والبويات وغيرها التي أصبحت تتداول وكأنها حق من رب العالمين. ولا يعيش الرهاب المرضي الذي يعيشه المجتمع من الآخر والمختلف، ويكبر ليصبح في موقع مسؤولية ويبدأ يتخيل «مؤامرات وعصابات وخططاً يديرها الجنوس والبويات» كوسيلة للتعبير عن رهابه وضياع هويته الجنسية.وفي مراحل متقدمة تأتي المناهج لتشرح للمقدمين على الزواج (الطبيعي أو المؤقت- الحلال طبعاً!) كيفية حماية أنفسهم وشركائهم من التوقعات غير الواقعية والأمراض والحمل غير المخطط له.وفي هذا صحة واضحة للفرد لها انعكاسات اجتماعية حادة، وفي حال غياب هذه الثقافة الأساسية تعيش الجماعات أزمات اجتماعية وسياسية هي جذور تردي أوضاع مجتمعنا... وللحديث بقية.