عاهدت نفسي منذ بدأت العمل الصحافي وممارسة الكتابة، وطوال عقدين من الزمن على ألا أستخدم المساحة التي تخصص لي لغرض شخصي أو غاية تخص عائلتي، وهو الأمر الأساسي في أخلاقيات المهنة وأمانة الكلمة والعلاقة مع جمهور القراء، ولكنني اليوم سأتجاوز هذا العهد وأروي حادثة والدي الذي وافته المنية وانتقل إلى جوار ربه منذ أكثر من أسبوع، وأصبح بذلك عند ربه لا يرتجي مما سأكتبه اليوم منفعة أو معاملة خاصة، ولكن قد يكون لعرض ما جرى له فائدة لآخرين، وقد تدفع أصحاب القرار إلى معالجة مثل هذه الممارسات الخاطئة والشاذة.

Ad

بداية القضية كانت فجر السبت 15 يناير الماضي عندما نقل والدي، بسبب مضاعفات مرض السكر والتهاب الكلى، إلى المستشفى الأميري، وبتوصية بإدخاله المستشفى وهو ما أقره الطبيب العربي في وحدة حوادث الباطنية بالمستشفى، وكان المطلوب حسب الإجراءات أن تأتي طبيبة الجناح المناوبة حتى تستلم الحالة وتقر نقلها إلى الجناح، ولكن كانت المفاجأة أن إحدى عضوات الطاقم التمريضي قالت: «حرام لسه نايمة... خلوها بعد شوي»!!... وبعد توالي الاتصالات لعدة ساعات مع الجناح، وقرب شروق الشمس هلت الطبيبة وهي مواطنة في العقد الثالث من عمرها وعلى ملامحها علامات الاستيقاظ من نوم عميق وانزعاج شديد، لتقلب الأوراق دون أن ترى المريض، وتقرر رفض دخوله المستشفى وتصر على مغادرته وحدة الحوادث ونقله إلى المنزل وسط ذهولنا وكذلك الطبيب العربي الذي لم يتكلم وكان يرسم بملامح وجهه علامات التعجب فقط.

استمررنا بعد ذلك في محاولات أن نفهم سبب قرار الطبيبة التي انفجرت في ابنة المريض قائلة: «تبون تشتكون ترى أنا بنت (...)»... يا سلام يعني حتى المهنة الإنسانية التي تتعامل مع حياة البشر صارت خاضعة لتصنيفات اجتماعية ونفوذ عائلي، وإذا كنت بنت (...) فما حاجتك إلى الوظيفة وممارسة عنجهيتك على الناس؟! وبالفعل استطاعت الطبيبة الخمس نجوم وبنت (...) تجييش إداريي المستشفى الأميري لملاحقة أبنائه ليوقعوا على إذن خروجه وتسلمه، وهذا ما حدث بالفعل، وتم وضعه في سيارة إسعاف لنقله إلى منزله لتنتكس حالته الصحية بعد ساعتين فقط من خروجه، ويطلب طبيب مركز الصقر الصحي في العديلية إعادته بتقرير موثق إلى المستشفى في نفس اليوم، ولكن «الشايب» يرفض العودة حتى لا يكون لعبة في أيادي طبيبات على شاكلة بنت (...) الخمس نجوم التي يعج بهن المستشفى الأميري للوجاهة، واللاتي لديهن ممانعة وحساسية مفرطة في استقبال كبار السن أو إدخالهم أجنحة المستشفى دون توصية أو تكون الحالة حرجة جداً، ولينفذ أمر الله بوفاته بعد ثلاثة أشهر من تلك الواقعة بسبب التهاب الكلى.

كل تفاصيل الواقعة قدمت إلى مسؤولين كبار في وزارة الصحة منذ شهور، ولم تلفت عنايتهم إليها، وأقصى ما فعلوه هو أنهم طلبوا منا مراجعة الشؤون القانونية في الوزارة، وهو ما لم نقم به لعلمنا أنها ستكون مضيعة للوقت وسيتضامن مع الطبيبة الجميع على الحق والباطل كما فعل إداريو المستشفى في سبيل إخراج الوالد منه، وستبقى الأوضاع على ما هي عليه وستنتقل حالة التسيب والمحسوبية وتصنيف المجتمع البغيضة بين جميع مرافق الدولة، وتتنامى في البلد، ما دامت لا توجد نية حقيقية لمحاربة آفات المجتمع الكويتي التي تنتشر كالسرطان وعلى أعلى المستويات الوظيفية من أطباء وخلافه، فوفاة والدي هو قدر الله بعد أن خدم بلده في البحر وشركة النفط منذ أكثر من ستين عاماً ووظائف أخرى، أما الطبيبة بنت (...) فجزاء فعلتها عند رب العالمين، ولكن من سيتحرك ليحمي أهلنا حتى لا يتعرض مسن آخر للإهمال وعنجهية بعض الكوادر الطبية في «الأميري»؟