يتخذ الفساد أشكالاً عدة... ففي بعض البلدان، يكون الفساد فاضحاً، بينما بصعوبة يمكن ملاحظته في بلدان أخرى، وبالتالي، يُعتبر احتمال تحديد كمية الفساد على مقياسٍ بسيط فكرة مثيرة للاهتمام، فهي تعطي انطباعاً بإمكان رصد معالم أي جانب غامض من التصرفات.

Ad

لا عجب إذن في أن مؤشر مدركات الفساد السنوي الذي يُصدر توصياته للبلدان وفقاً لدرجة الفساد المسجلة فيها بات يخضع لمراقبة مشددة، لكن حين أصدرت الجهات المسؤولة عنه- أي منظمة الشفافية الدولية، مركزها برلين- تقريرها السنوي السادس عشر في 26 أكتوبر، سادت موجة من الانتقادات والفضول في آن.

لابد من الاعتراف بأن منظمة الشفافية الدولية بذلت الكثير خدمةً لقضية مكافحة الفساد، وفي هذا السياق، يقول ريتشارد بوشيه، نائب الأمين العام في منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية (أويسيد): «كان للمنظمة أثرٌ هائل»، ويُعتبر مؤشر مدركات الفساد أول مؤشر مسؤول عن مقارنة حالات الفساد على المستوى العالمي.

لكن لطالما كان أداء هذا المؤشر مثيراً للجدل، وكما كان متوقعاً، صدرت أولى الشكاوى من الأماكن الفقيرة التي شعرت بأنها مستهدفة من جانب منظمة تعكس تطلعات البلدان الغنية.

برزت الآن انتقادات غير مباشرة أيضاً، فعلى سبيل المثال، لا يوافق البعض على المنهجية المبنية على 13 استطلاع رأي شملت خبراء ورجال أعمال، تتفاوت طريقة عمل المنظمة بين بلدٍ وآخر وقد شهدت تغيرات عدة مع مرور الوقت، وبالتالي قد تكون المقارنات القائمة بين السنوات المختلفة مضلِّلة.

يلقي مؤشر مدركات الفساد الضوء على مستوى الفساد العام، ولكنه لا يقدم معلومات كافية عن أبرز جوانب المشكلة أو عن طريقة محاربتها، لقد تصاعد التوتر مع بروز فكرة أن «رقماً واحداً للبلد كله هو أمر كافٍ»، بحسب قول ناثانييل هيلر من منظمة «غلوبال انتغريتي» (Global Integrity) المعنية بمحاربة الفساد.

لقد «انتهت صلاحية» مؤشر مدركات الفساد بحسب رأي كلاوديو ويبر أبرامو، مدير منظمة «ترانسبارينسيا برازيل» (Transparência Brasil) التي لم تعد تعمل تحت مظلة منظمة الشفافية الدولية منذ عام 2007.

تدرك منظمة الشفافية الدولية إخفاقات المؤشر... وبحسب رأيها، يعكس مؤشر مدركات الفساد «صورة سنوية» عن الوضع مع «تراجع التركيز على طريقة المقارنة بين السنوات المختلفة». ومع ذلك، تتمسك المنظمة بالتصنيف الذي تصدره، وفي هذا الإطار، تقول هوغيت لابيل، رئيسة منظمة الشفافية الدولية: «نحن راضون على وجود منظمة بهذه الأهمية، لكنها تبقى مجرد منظمة واحدة».

لا يمكن اعتبار منظمة الشفافية الدولية مجرد كيان يجيد فعل بعض الأمور لكن يتمتع بمهارات محدودة في مجالات أخرى، فهي تصب تركيزها الآن على تعزيز الاتفاقات الدولية والمساعدة في تطبيقها. على المستوى المحلي، تبذل المنظمة جهوداً أكبر مما كانت تفعل في الماضي، ففي بعض البلدان النامية، تقدم مراكز الاستشارة القانونية المساعدة لضحايا الفساد، ومع ذلك، يواجه مؤشر مدركات الفساد وضعاً شائكاً اليوم وتقف المنظمة أمام معضلة كبيرة، ويحظى المؤشر باهتمام شديد لابد منه، ولكنه يغطي بذلك على نشاطات أخرى ويعرضها للانتقاد، ولو أن منظمة الشفافية الدولية تتحلّى بالشجاعة اللازمة للتخلي عن برنامج تصنيف درجات الفساد، أو على الأقل تنشره بشكلٍ أوضح بكثير، فستتحسن نشاطاتها في المجالات الأخرى.