1 - كثُرت التعليقات في الإعلامين العربي والغربي عن بدء هبوب نسائم الدولة الدينية في مصر، وازدادت هذه التعليقات التي امتلأت بتلميحات إلى بدء هبوب هذه النسائم، عندما وجد الإعلام في الشرق والغرب، أن هناك ليونة سياسية ملحوظة من المجلس الأعلى للقوات المسلحة تجاه الجماعات الدينية، وخاصة جماعة الإخوان المسلمين و'الجماعة الإسلامية'، التي أُطلق سراح زعيميها طارق وعبود الزمر، والسماح لهما بالصعود إلى النجومية في الإعلام الحكومي والأهلي على السواء، وهما مجرمان وإرهابيان قاتلان لرئيس مصري.
وسبق ذلك تقارير الصحافة الغربية عن وجود عدد لا بأس به من الضباط المنتمين إلى تنظيم جماعة الإخوان المسلمين، ثم قرأنا أسماء اللجنة التي قامت على تعديل بعض مواد الدستور (76، 77، 88، 93، و189) وإلغاء المادة 179 الخاصة بقانون الطوارئ، والتي كانت مكونة من عضويين من قادة الإخوان وهما: الأكاديمي عاطف البنا (المستتر)، وصبحي صالح (المنتشر)، عضو الكتلة الدستورية للإخوان، وعضو اللجنة الدستورية والتشريعية في مجلس الشعب، 2005، ورئيس هذه اللجنة المستشار طارق البشري الذي كتب مقدمة كتاب القيادي الإخواني عبدالمنعم أبو الفتوح (شاهد على تاريخ الحركة الإسلامية في مصر 1970-1984) وقدم له بمقدمة تبجيلية. والمستشار طارق البشري، من الباحثين المصريين الذين اتجهوا أخيراً إلى المناداة بتطبيق الشريعة الإسلامية في مصر، كما أصبح من كبار منظري 'الإسلام السياسي'، ومؤلف عدة كتب دينية-سياسية، تدعو إلى تطبيق الشريعة الدينية، وقيام الخلافة الإسلامية منها: 'الوضع القانوني بين الشريعة الإسلامية والقانون الوضعي'، و 'منهاج النظر في النظم السياسية المعاصرة لبلدان العالم الإسلامي'، و'ماهية المعاصرة'، وكتابه الأخير: 'الجماعة الوطنية: العزلة والاندماج'، وهو من أكثر كتبه وضوحاً في شرح وتبني منهاج 'الإسلام السياسي'.2 - ثم سمح المجلس الأعلى للقوات المسلحة للشيخ يوسف القرضاوي (المرجعية الفقهية العليا' لجماعة الإخوان المسلمين، وما زال عضواً فاعلاً في 'الجماعة')، بأداء صلاة الجمعة في ميدان التحرير. وكان الإخوان المسلمون قد دعوا القرضاوي إلى زيارة القاهرة بمباركة من المجلس الأعلى للقوات المسلحة، ثم قاموا بتنظيم هذه الصلاة الدينية- السياسية، وقاموا بحراسة القرضاوي، طوال زيارته إلى ميدان التحرير والقاهرة.ولعب الإخوان دوراً كبيراً في حصول التعديلات الدستورية على أكثر من 70%، حين كانوا يسرون في آذان المستفتين المتدينين تديناً شعبياً بأن من سيقول 'نعم' للتعديلات سيدخل الجنة، ومن سيقول 'لا' سيدخل جهنم، حسب ما أفادت به الإعلامية سهير جودة، في برنامجها التلفزيوني 'البيوت أسرار'، 26/5/2011.3 - وكان 'الإخوان'، أول من حصل على ترخيص بإقامة حزب جديد (الحرية والعدالة) بعد ثورة 25 يناير، وقالوا إن الحزب سياسي وليس دينياً، وأنا لا أفهم هذه العبارة أبداً، فالإخوان المسلمون منذ 1928 حتى الآن، وهم يعلنون، ويعملون كحزب ديني، وعرفوا في العالمين العربي والإسلامي على أنهم حزب ديني، يعمل في السياسة ويطمح إلى السلطة دائماً، فما الذي يدفعهم إلى الخروج عن منظومتهم الدينية، غير إيجاد أسرع الطرق، وأسهلها، وأضمنها للوصول إلى السلطة؟وفي الواقع، فإن من حق الإخوان– كأي حزب ديني- سياسي، السعي إلى السلطة بعد جهاد ونضال وصبر، دام أكثر من ثمانين عاماً منذ 1928، وهم على طريق الرشد والرشاد حين تخلوا عن العنف للوصول إلى السلطة، وسعوا بالطرق السياسية إلى تحقيق ذلك، وهو ما كنا نأمله من الإخوان المسلمين، في مثل هذه الظروف الحالية، ومن يتلاوم على الإخوان المسلمين على تبديل جلودهم، وتغيير بعض مبادئهم (من المطالبة بالخلافة الإسلامية إلى الإقرار بالدولة المدنية) فهو غير منصف. فالأحزاب السياسية في التاريخ، وفي العالم كله تتلون، وتتغير، وتتحالف حتى مع الشيطان، من أجل تحقيق أغراضها السياسية، شرط أن يتم كل ذلك من خلال العمل السياسي الديمقراطي المحض، وليس من خلال العنف الذي شهدناه من تنظيم الإخوان المسلمين المسلح، في الأربعينيات من القرن الماضي، الذي اغتال النقراشي باشا، والمستشار الخزندار، وحكمدار القاهرة.كما أن النفي، والكذب، والإنكار، والدس، من أخلاق الأحزاب السياسية في التاريخ، قديماً وحديثاً، وإذا كان الإخوان يلجؤون إلى بعض هذا في بعض الأحيان، فتلك من طبيعة العمل السياسي، وهو ما يستهجنه بعض المعلقين على جماعة الإخوان المسلمين كجماعة دينية، وليست كجماعة سياسية، وتلقى هذه الجماعة من المعلقين والمحللين السياسيين من التأنيب والنقد الجارح، ما لا تلقاه بقية الأحزاب السياسية المصرية، فتلك أحزاب سياسية واضحة في أهدافها، وخططها.4 - وكان آخر المعلقين السياسيين المستهجنين لمواقف جماعة الإخوان المسلمين المحلل السياسي العراقي حسين كركوش، الذي كتب مقالاً بعنوان صارخ: 'جماعة الإخوان في مصر: غوغائية بلا حدود، وكذب صراح، ورعب من يقظة الشعب' (جريدة 'إيلاف'، 28/5/2011) قال فيه: 'جماعة الإخوان المسلمين رفضت المشاركة ووصفت مظاهرات جمعة الغضب الثانية، بأنها ثورة ضد الشعب وأغلبيته، وتهدف للوقيعة بين الشعب والقوات المسلحة. وقالت، إن هذه المظاهرات ينادي بها العلمانيون والشيوعيون ضد إرادة الشعب. وأعلنت أنها تحترم دور المؤسسة العسكرية في حماية الثورة، والشعب. أما الجماعات السلفية، الظهير الاستراتيجي للإخوان، فإنها اعتبرت هذه المظاهرات خروجاً على الحاكم، وإقصاء الشريعة الإسلامية، وقالت، إن هذه المظاهرات ينادي بها العلمانيون، والليبراليون، والكفرة، والملحدون'.5 - فإن كنا حقاً من الليبراليين، ونؤمن بالحرية والديمقراطية، فعلينا أن نرى في موقف الإخوان من 'جمعة الغضب الثانية' ما اعتبروه 'جمعة الوقعية' وانقلاباً على الشرعية... إلخ. مواقف سياسية للرأي الآخر الحر، ولكن شرط عدم تجريم الآخرين المخالفين لهم في الرأي ورميهم بالكفر والخيانة، وشرط ألا يُستعمل الدين أو نصوصه المقدسة، لخدمة هذه المواقف السياسية المحضة، فإن خطأ الإخوان الأكبر خلال السنوات الماضية، كان خطف الدين وامتطائه لأغراض سياسية محضة، وليس في ذلك خدمة للدين بل خدمة للسياسة، وإقحام الدين في السياسة كان على مدار العصور والدهور، لمصلحة السياسة وضد الدين، الذي كان دائماً هو المتضرر من هذا الإقحام القسري، نتيجة لثوابت الدين، وتحولات السياسة المستمرة، ونتيجة لقداسة الدين ونجاسة السياسة.6 - من المسلم به أن رياح الدولة الدينية بدأت بالهبوب على سطح النيل الرقراق، فمرحباً بالدولة الدينية، إذا كان هذا خيار الشعب المصري الديمقراطي السياسي السليم، الذي لا يشوبه عنف، ولا يشوبه المال السياسي، ولا يشوبه الضغط الديني الإعلامي والدعوي، فالوصول إلى الدولة المدنية الديمقراطية الحقة، لن يتم، ولن يتحقق، إلا إذا حكمتنا هذه الدولة وتجاوزنا حكم الدولة الدينية الحالمة، لكي نعرف بياضها من سوادها، فالتحقيق شرط التجاوز، كما قال الفيلسوف هيغل.* كاتب أردنيكتاب الجريدة يردون على تعليقات القراءيمكنك متابعة الكاتب عبر الـ RSS عن طريق الرابط على الجانب الايمن أعلى المقالات السابقة
مقالات
مصر: هبوب نسائم الدولة الدينية!
01-06-2011