جمع صلاح ذو الفقار (1926 - 1993) بين القدرة على أداء الأدوار الجادة الصارمة والبراعة في أداء الأدوار المرحة المحببة.
صلاح أحد أشقاء أو فرسان ثلاثة دخلوا السينما بعدما جذبهم سحرها وعشقوها كمحبوبة لا تقاوم وتفانوا في هذا الحب الجميل: الآخران هما المخرجان المقتدران عز الدين ذو الفقار ومحمود ذو الفقار. كان صلاح، على غرار عز الدين، ضابطاً تغمره المشاعر الوطنية فشارك في أفلام ذات طابع وطني سياسي من بينها: «رد قلبي» و{بورسعيد»، من إخراج عز الدين ذو الفقار وكاد هذا الأخير يخرج «الناصر صلاح الدين» لولا وقوعه تحت وطأة مرض شديد فرشّح بنفسه يوسف شاهين، الذي قدم عبره أحد أحسن أفلامه على الإطلاق. أدى صلاح في «رد قلبي» دوراً مرحاً ولافتاً، وفي «الناصر صلاح الدين» دور عيسى العوام الشهير، المقاتل المسيحي الفدائي الصلب في جيش صلاح الدين.بدت الرومنسية والتعبير عن عاطفة الحب القوية لدى الأشقاء امتداداً وتأكيداً لأحاسيس العاطفة والرومنسية تجاه الوطن، فعز الدين هو مخرج «بين الأطلال» و{إني راحلة» و{نهر الحب» وغيرها من أفلام ستظلّ في صدارة إنتاج الفن السينمائي المصري الرومنسي. كذلك قدم صلاح أداء لا ينسى في دور أحمد إلى جانب شادية بدور منى في الفيلم الرومنسي «أغلى من حياتي» الحافل بالمشاعر النبيلة وبمسحة ميلودرامية مقبولة، إخراج محمود ذو الفقار الشقيق الثالث!اللافت في مسيرة صلاح ذو الفقار أنه قدّم أفلاماً مهمة تندرج ضمن أنواع عدة... فشكلت حصاداً ثميناً بكل معنى الكلمة!إلى جانب «الناصر صلاح الدين» الذي يُعتبر ذروة في الفيلم التاريخي الوطني القومي و{أغلى من حياتي» الذي يُعدّ ذروة في الفيلم الرومنسي الميلودرامي و{رد قلبي» الذي يعدّ ذروة في الفيلم الوطني الرومنسي، قدم ذو الفقار مع رشدي أباظة وصباح «الرجل الثاني» إخراج عز الدين ذو الفقار وهو ذروة في الفيلم البوليسي.كذلك، قدم مع شادية (زوجته آنذاك) «مراتي مدير عام» (1966)، إخراج فطين عبد الوهاب، الذي تميّز بروح مرحة ورحابة فنية وإتقان شامل لعناصر الفيلم كافة، فشكّل ذروة في مسيرة الفيلم المصري على صعيد السينما الاجتماعية الراقية ونموذجاً لأفلامنا التي تدافع، بصدق وسلاسة ومن دون أدنى ادعاء، عن حقوق المرأة وضرورة مساواتها مع حقوق الرجل في العمل وتحقيق الطموح المشروع. إنه بلا جدال أحد أحسن أفلام مخرجه وبطليه وأحد أبرز أفلام السينما المصرية.لم يلبث فطين أن قدّم أيضاً مع الثنائي المحبوب بحق صلاح وشادية، الزوجان في الحياة والمشعان في الفن، «كرامة زوجتي» (1967)، «عفريت مراتي» (1968)... وقد أكدت الأفلام مقدرة ذو الفقار العميقة الواسعة في تقديم المشاهد الجادة الصارمة بإقناع والمشاهد المرحة المحببة بإمتاع.الحق أن الجانب الكوميدي الممتع في أداء ذو الفقار لم يبرز في هذه الأفلام فحسب (إخراج فطين عبد الوهاب ملك السينما الكوميدية المصرية)، إنما أيضاً في أعمال كثيرة غيرها، من بينها: «موعد في البرج»، «جمعية قتل الزوجات»، «زوج في إجازة»، «زوجة من باريس»، «صباح الخير يا زوجتي العزيزة»... فضلاً عن دوره المشوّق وحضوره الجذاب والنادر في مسلسل «عائلة شلش» مع الفنانة القديرة ليلى طاهر، التي شاركته بدورها في أكثر من عمل آسر، وفي مسرحياته ومن بينها «روبابيكا»، المسرحية الكوميدية الشهيرة مع تحية كاريوكا.في سينما ذات أبعاد اجتماعية - سياسية وطنية تاريخية، قدّم ذو الفقار أعمالاً بارزة وأدواراً مميزة، إذ نشاهد له من إخراج كمال الشيخ: «الرجل الذي فقد ظله» (1968) و{غروب وشروق» (1970)، ومن إخراج يوسف شاهين: «الناس والنيل» (1972) و»الوداع يا بونابرت» (1985)، ومن إخراج سعيد مرزوق: «المذنبون» (1976) و{أريد حلاً»، ومن إخراج نادر جلال: «الإرهابي» (1994)، ومن إخراج إنعام محمد علي: «الطريق إلى إيلات» وهو آخر أفلامه، الذي عرض في منتصف التسعينيات الماضية.لكننا نحسب أن دور ذو الفقار البارع في فيلم «الأيدي الناعمة» (1963)، إخراج محمود ذو الفقار، يجمع قدراته على التعبير في مواقف متنوعة ومتدرجة، من لحظات الجدية الصارمة إلى المرح المحبب وخفة الظل والظرف الحقيقي، إلى جانب أحمد مظهر الذي أكد قدراته التمثيلية الهائلة في مواقف مختلفة... هذا الفيلم مقتبس عن نص مسرحي للرائد توفيق الحكيم، كتبه بعد ثورة يوليو، ويتمحور حول قيمة العمل ودوره في مجتمع ناهض جديد. إلى جانب دورَي ذو الفقار وأحمد مظهر، الصديقان في الحياة وفي الفن، برزت أدوار صباح ومريم فخر الدين وليلى طاهر... «الأيادي الناعمة» هو بحق أحد أفلام صلاح ذو الفقار والسينما المصرية العذبة، التي لا نملّ مشاهدتها أبداً!
توابل - سيما
صلاح ذو الفقار... وحصاد ثمين
12-11-2010