قد لا يكون فعلا في نية الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد أن يرمي حجرا على القوات الإسرائيلية المحتلة المتمركزة على الجانب الآخر من الحدود بين لبنان وفلسطين المحتلة عند «بوابة فاطمة».

Ad

لكنه ينوي بالتأكيد أن يرمي بكل ثقله، بل بكل ما أوتيت بلاده من قوة وعزم في أتون الصراع الدائر بين معسكرين في التعامل مع الكيان الصهيوني المغتصب, أحدهما يتمثل في المشروع الأميركي للمنطقة والقائم على ضرورة منع أي طرف من التواصل مع أهل الرباط من مقدسيين وغير مقدسيين من أهل البلاد الأصليين في فلسطين عبر أي حدود لبنانية كانت أو غير لبنانية. والآخر المشروع المقاوم لكل أشكال الهيمنة والإملاء على سكان البلاد الأصليين لهذا المشرق الكبير من فلسطينيين وعرب, مسلمين ومسيحيين حيث تقف إيران على رأس قائمة هذا المشروع.

ليست زيارة أحمدي نجاد إلى لبنان الشقيق والصديق هي «الزيارة الاستفزازية» كما هرولت السفيرة الأميركية المعتمدة حديثا لدى لبنان لتخبر قصر بعبدا بذلك وفرائصها ترتعد خوفا من مجرد ذكر اسم أحمدي نجاد، فما بالك إذا جال في الجنوب المقاوم واقترب من بوابة فاطمة.

إنما الاستفزاز للسيادة اللبنانية هو ذلك الطلب الوقح من سفيرة دولة تعتبر نفسها الأكثر التزاما بـ«آداب الدبلوماسية العامة» من أعلى منصب في الدولة المضيفة ليمنع أحد زواره وضيوفه من التجوال في أرض بلاده، وأن يمتنع من توجيه الدعوة لها لحضور بعض المراسم البروتوكولية للزيارة خوفا من جرح مشاعر أصدقائها وشركائها في اغتصاب واحتلال أرض الغير، فيما لو عرج أحمدي نجاد على شرح وقائع شطب فلسطين التاريخية من خريطة المشرق الأصلية.

إن أحمدي نجاد هذا الذي ترتعد فرائصك منه ومن زيارته للجنوب اللبناني الصامد والمتماهي عميقا مع جرح فلسطين النازف, إنما قدم إلى لبنان حاملا معه مشاريع تنموية ملحة للبنان تبدأ من تأمين مياه الشفة التي يسرقها المحتل الغاصب مرورا بالكهرباء والصحة والزراعة والتربية والنانو تكنولوجي والبايو تكنولوجي والمعلوماتية والطرق والمواصلات وصولا إلى النفط والغاز وكل ما تتطلبه معيشة اللبناني الشقيق بشكلها اللائق بهذا الشعب العظيم.

نعم سيأتي أحمدي نجاد ليعلن من بيروت عاصمة المقاومة العربية والإسلامية أن إيران مستعدة ليس فقط لتقديم أفضل ما عندها من إمكانات تنموية وكل ما تستطيع من قروض ميسرة لإشاعة نعمة الكهرباء فوق كل الأراضي اللبنانية، بل تدعيم الدولة اللبنانية وقوامها وتفضيلها إن شاءت على غيرها من المؤسسات من خلال تقديم آخر ما أنتجته الجمهورية الإسلامية الإيرانية من قوة ورباط الخيل في مجال الأسلحة الدفاعية إلى جيش لبنان الوطني الباسل, لولا تدخل الآخرين المعلومي الحال كما تشير الأنباء.

فالمعلومات الأكيدة والمتواترة تفيد بأن وزير الدفاع اللبناني كان قد تلقى في الآونة الأخيرة دعوة مكررة من نظيره الإيراني لزيارة طهران لرفع مستوى التعاون الدفاعي بين البلدين من مذكرة تفاهم كان قد عقدها مع طهران سلفه الوزير الأسبق عبدالرحيم مراد في عهد دولة رئيس الوزراء المغدور رفيق الحريري، غلى مرتبة اتفاقية تعاون تمكن من خلالها الجيش اللبناني من صد أي محاولة عدوانية مقبلة عليه, إلا أن الوزير إلياس المر اكتفى بالشكر, ولم يمض على خطى زميله في حكومة الوفاق جبران باسيل الذي زار طهران بالفعل وعاد ومعه مشروع محدد وقروض ميسرة بقيمة 450 مليون دولار في مجال الكهرباء فقط والحبل على الجرار في مجالات التنقيب والتخصيب.

فإذا كان أحمدي نجاد لن يرمي بحجر «استفزازي» على قوات ربيبتكم كما طالبتم بإلحاح ياجماعة الأميركان, فإن المواطن اللبناني يتساءل وبإلحاح أيضا عن الضمانات التي تمنع الربيبة المدللة من أن ترمي مجددا جيشه الوطني الباسل- والذي لطالما ذرفتم دموع التماسيح- بوابل من جمرات الشيطان الأكبر الذي يسلح بها الغاصب المحتل دون حدود كما هي الأنباء المتواترة التي تتحدث عن تسليح الجيش الصهيوني بأحدث الطائرات ومنظومات الصواريخ، فيما تمنعون على جيش لبنان المستضعف, مجرد التسلح بأسلحة دفاعية تقليدية من جانب دولة صديقة وشقيقة, لأن رئيسها قد يرشق ربيتكم بحجارة من سجيل, من عند بوابة فاطمة؟!

إن زيارة أحمدي نجاد إلى لبنان المقاوم ستشكل بالتأكيد منعطفا مهما في تاريخ العلاقات الأخوية بين البلدين الشقيقين, وهي ستترافق بأعراس وطنية تمتد على طول وعرض الأراضي اللبنانية, وهو سيلتقي كل رموز الوطن الحر والسيد والمستقل، وهو سيزور بلا شك بيوت آباء وأمهات وأبناء الشهداء ليس فقط في الجنوب اللبناني بل في الضاحية الأبية، وحيث زرعت الشجرة رقم مليون وبالتالي فإن كل بوابة سيطرقها ستكون بلا شك «بوابة فاطمة» ينفد من خلالها أحمدي نجاد إلى فلسطين، وأن كل حجر سيضعه في مدماك العلاقات الثنائية سيكون بلا شك هو الآخر له وقع ليس أقل إن لم يكن أكثر من الحجر الذي يرمى من بوابة فاطمة الجنوب على بيت العنكبوت الإسرائيلي.

نعم تستطيعون أن تستشيطوا غضبا ما شئتم على زيارة نجاد للبنان, كما تستطيعون بالتأكيد أن تزبدوا وترعدوا وتولولوا ما شئتم, لكن ذلك لن يخفف عليكم ولا يزيل عنكم قلق يوم «المنازلة الكبرى» التي بقدر ما تحضرون لها بقدر ما ترتعبون منها.

فهل يفقه الإسرائيليون والأميركيون عمق الترابط بين «بوابة فاطمة» الجنوب اللبناني وسائر «بوابات فاطمة» اللبنانية المنتشرة على امتداد الطوائف والمذاهب والأطياف التي سيطرقها أحمدي نجاد، وما تشكله هذه النقلة النوعية من مشروع لنهضة مقاومة شاملة تريد إحياء الأصيل ومحو الدخيل؟!

* الأمين العام لمنتدى الحوار العربي - الإيراني

 

كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء

يمكنك متابعة الكاتب عبر الـ RSS عن طريق الرابط على الجانب الايمن أعلى المقالات السابقة