آخر وطن: سقف الغفران!

نشر في 29-04-2011
آخر تحديث 29-04-2011 | 00:00
 مسفر الدوسري في اللحظة التي يتطلب زعلك الكثير لترضى على الحبيب، تيقّن أن حبك يتطلّب القليل ليرحل!

بقدر امتلاء قلوبنا بالحب للآخر، بقدر ما تكون قدرتنا على السماح وغفران أخطائه،

وفي المقابل سيرتفع سقف الغفران لدينا، بنفس القدر الذي يقلّ فيه حبنا، فتصبح قلوبنا أكثر تماسكاً وصلابة أمام نسائم الصلح، وأكثر قدرة على الوقوف في وجه مساعي الرضى، وعيوننا أكثر عمى عن رؤية بشائر الصبح الذي يجلي العتمة، والدرب الصغير –ربما- والمؤدي إلى قلب الآخر.

عندما يرتفع سقف الغفران لدينا نصبح أكثر صمماً عن سماع النداءات والهمسات الخيّرة والتي لو أصغينا لها بصفاء خالص لربما تحولت لسنابل أغانٍ تملأ حقول الزعل الممحلة،

وعندما يرتفع سقف الغفران لدينا، ستصبح محاولات الطرف الآخر دائماً أقل مما يجب، وأصغر من احتواء شوك شعورنا، وستصبح عبارة «عذر أقبح من الفعل» مثلاً، جاهزة دائماً لرميها في وجهه.

إذا أرسل الآخر رسالة اعتذار، قلنا لماذا لم يتصل؟!، وإذا اتصل، قلنا لماذا لم يأتِ ويخاطبنا وجهاً لوجه؟! وإذا أتى قلنا: يا لبجاحته، يقتل القتيل ويمشي في جنازته!!!! ستبقى دائماً تلك المساعي أقل مما نحتاجه للرضى!!

أبداً ليس صحيحاً أن حجم الخطأ، وعمق الجرح، هما اللذان يحددان قدرتنا على السماح،

فلو رجعنا بذاكرتنا قليلاً لوجدنا أننا تعرضنا فيما سبق لأذى أكبر من الذي نتعرض له الآن، وسنفاجَأ بأننا برغم ذلك لم نفقد قدرتنا العظيمة على تجاوز الأذى، وأن أيدينا امتدت حينها محملة بوردة السماح!

ما الذي تغيّر الآن؟!

ما الذي اختلف؟!

سنقفز من أماكننا فرحين بامتلاك إجابة ذلك السؤال، وسنقول لأنفسنا بكل تباهٍ واختيال: للصبر حدود!!!

وسنستأنف مباهاتنا تلك بالقول: ولأننا غفرنا في المرات السابقة، وسامحنا كثيراً، جاء الوقت الذي يجب ألاّ نسامح، وألاّ نغفر حتى لا يستمر الخطأ!!

إن هذا الكلام مريح فعلاً للضمير، وفيه تبرير كافٍ وشافٍ... إلا أن هذا الكلام بحدّ ذاته دليل على ارتفاع سقف الغفران لدينا، في مقابل سقف الحب! دليل على أننا لم نعد نرضى بما كان، وعلى أن شروطنا اختلفت عما كانت عليه، وعلى أن حجم الحب في قلوبنا لم يعد كما كان عليه، مقارنة بارتفاع حجم «عاديتنا» الإنسانية!!! هذه العادية التي تجعلنا بشراً عاديين، نثأر، وننتقم، ونقول العين بالعين، والسن بالسن، ويملأنا الظلام أحياناً حتى نصبح حقول صبّار!

جمال الحب أنه يقلّص هذه «العادية» فينا، يجعلنا بشراً من نور، يجعلنا قريبين من الأنبياء، والصالحين الأتقياء، ينقّي قلوبنا من رغبة الثأر، ومن شهوة التشفّي، يخلّصنا من إحساسنا بأن جروحنا لن تشفى إلا برؤية دمٍ ينزف من جرح الآخر، وأن نعتقد أن منتهى العدالة أن يكون كل جرح فينا مقابل جرح آخر بنفس الأذى لمن أخطأ بحقنا!

إبداع الحب أنه يخفف من حِدّة هذه المشاعر السوداء فينا ومن سطوتها، حتى وإن رأيناها بعاديتنا البشرية عادلة، ومنصفة.

روعة الحب الحقيقية أنه... يخفّض سقف الغفران لدينا!

back to top