الإعلام اليوم يتجه نحو ما سأسميه «إعلام الفرد»، إن لم يكن قد وصل إلى هناك فعلاً.

Ad

وما أقصده بهذا المصطلح، إعلام الفرد، هو أن الفرد العادي والبسيط صار يشكل اليوم البطارية الرئيسية لتغذية الإعلام، فقد خرج الإعلام من تحت عباءة الاعتماد الكلي على شبكة المراسلين والصحافيين والمصورين المحترفين، حيث بات اليوم بإمكان أي فرد عادي، يمتلك هاتفاً نقالاً، والكل صار كذلك، أن يسبق كل وكالات الأنباء، فضلا عن الصحف طبعاً، لتغطية خبر أو حدث ما، وبثه عبر شبكة الإنترنت في ثوان معدودة، بالكلمة والصوت والصورة. وهذه التقنية التي كانت صعبة ومكلفة منذ سنوات قليلة، غدت اليوم متاحة ومبذولة حتى بيد الصبية الصغار.

لهذا السبب، تتهاوى، أو لعلها تهاوت بالفعل، معادلة «الحصرية» و»الأسبقية» الإعلامية، وهي التي كانت تباهي بها وكالات الأنباء والقنوات الإخبارية والصحف، وضمنت لـ»سي إن إن» على سبيل المثال أن تصبح الوكالة الإخبارية الأولى في العالم منذ سنوات قليلة عندما قامت بتغطية الحرب على العراق، والسبب في ذلك أنه ومن قبل أن تبث أي واحدة من هذه المؤسسات خبر حادثة أو حدثاً ما في أي مكان، سيكون هناك فرد بسيط ما قد قام بنقل خبره على الإنترنت بكبسة زر!

إدراك هذه المسألة، أعني التغير الآخذ في استحلال كل المعادلات الإعلامية، ومن ثم التعاطي معها قبل الآخرين هو الذي سيضمن لوكالات الأنباء والقنوات الإخبارية والصحف الاستمرارية بشكل يقنع الجمهور، لأنه لن تكون هناك فائدة لهذه المؤسسات إن هي ظلت لا تأتي إلا بالخبر البائت المنشور منذ ساعات طويلة على الإنترنت مثلاً، خصوصا أن انتشار شبكة الإنترنت وانخفاض أسعارها وتطور تقنياتها قد جعلها اليوم في متناول الجميع من كل الشرائح التعليمية.

وهذه المسالة، ترتبط في ظني ارتباطاً وثيقاً بتساقط بعض الصحف الكويتية الجديدة، وهو الذي شهدناه أخيراً، وإن كنت أدرك طبعا أن لكل منها أسبابه التفصيلية الجزئية، فلا يمكن أن يقتنع قارئ اليوم بصحيفة جديدة لمجرد أنها أتته بحلة جديدة، لتقدم له ذات الأخبار الموجودة في كل الصحف الأخرى.

كل مؤسسة إعلامية جديدة بحاجة إلى وضع بصمة مميزة على منتجاتها الإعلامية. وهي بحاجة إلى اختراع قوالب جديدة، والإتيان بطرق مستحدثة للعرض، وذلك من أجل تحويل ذات المادة الخبرية والإعلامية إلى مادة جديدة، تستهوي المشاهد والقارئ، وتستقطبه عن غيرها في عالم شرس المنافسة.

المشاهد والقارئ، صار يبحث عن تحقيقات وتغطيات وتقارير بروح جديدة. يبحث عن صورة ذكية تخرج عن كل المألوف السابق، وتغنيه بالفعل عن ألف كلمة. يبحث عن تصوير بزوايا متميزة بعيدة عن النمطية السالفة. يبحث عن رصد لما بعد الحدث ولما خلفه، وعن قراءة لما بين السطور، مما لم ينشر من قبل.

لقد صار المشاهد والقارئ يبحث عن مؤسسة إعلامية تدرك أن الفرد اليوم هو جزء لا يتجزأ من المعادلة الإعلامية، ليس كمتلق فحسب، فهذا الزمن قد ولى من أمد بعيد إلى غير رجعة، وإنما كطرف فاعل متفاعل.

وبالإضافة إلى هذا، فكل مؤسسة إعلامية، تقدم سلعة في نهاية المطاف، وككل سلعة فهي بحاجة، بالإضافة طبعاً إلى التميز وجودة المنتج، إلى دعم تسويقي فعال، وإلى ملاءة مالية كافية لتدعم صمودها سنوات عدة حتى الوصول إلى اختراق حاجز موازنة المصروفات والإيرادات.

من يدرك هذه المعادلات الساخنة السريعة التفاعل، ويستجيب لمطارق التغيير التي تهوي على سندان الإعلام كل دقيقة وثانية، هو وحده القادر على الصمود في ساحة المنافسة، وأما من يريد أن يسلك نفس المسالك السابقة، ويقدم ذات الأطباق المسلوقة الماسخة، ويدندن على ذات الأوتار التي ارتخت من كثرة العزف، سيقول له الجمهور حتما، ولو بعد حين: استرح من فضلك!