جاسم النبهان: مغامرة رأس المملوك مرحلة نضجي الثقافي والمهني
جاسم النبهان فنان قدير أثرى الدراما سواء في التلفزيون أو على المسرح أو في الإذاعة بنتاجات ما زالت أصداؤها تتردد حتى اليوم، لا سيما شخصية علاء الدين التي جسدها باقتدار، فرسخت في الأذهان وتناقلتها الأجيال كعلامة فارقة في مسرح الطفل. حول مشواره الفني الزاخر بالعطاءات كان الحوار التالي معه.
متى بدأت حكايتك مع المسرح؟ عام 1957 في المسرح المدرسي بمدرسة عمر بن الخطاب التي كانت محلّ مجلس الأمة اليوم، حيث كان «فريجنا» في منطقة القبلة وبقيت فيها لغاية 1959، ثم أكملت سنة رابعة متوسط في مدرسة الشامية ومنها انتقلت إلى ثانوية كيفان حيث شاركت في رياضة الجمباز وأصبحت رئيساً للفريق والبحرية في آن مع الزملاء ومن بينهم أحمد الزبن.بعد نيلي الثانوية العامة دخلت معهد المعلمين، إلا أنني لم أتابع فيه لتسلمي وظيفة في وزارة الأوقاف في 22 ديسمبر (كانون الأول) 1964 وانتسابي إلى معهد الدراسات المسرحية، وكان مقره مسرح كيفان، إضافة إلى زواجي في العام نفسه. كيف انضممت إلى «فرقة المسرح الشعبي»؟بواسطة صديقي خليفة عمر خليفوه الذي كان يقلّد اسماعيل ياسين ومحرّم فؤاد، أما أنا فكنت أقلد فريد شوقي ومحمود المليجي.بدأت في «المسرح الشعبي» مع الفنان عبد الرحمن الضويحي أثناء العرض الأول البسيط لمسرحية «سكانه مرته» قبل أن تنشقّ مجموعة منه لتشكل «فرقة المسرح الكويتي».تمنيت على الضويحي، آنذاك، أن يفسح في المجال أمامي للتعرّف إلى المسرح بتفاصيله كافة: السوفيتا، الإضاءة، حركة الحبال، الكواليس، الأكسسورات التي رتبتها وأنجزت فهرساً كاملاً لها.ما أبرز المهام التي اضطلعت بها مع الفرقة؟شاركت معها في مسرحية «يمهل ولا يهمل»، وبعد عامين أصبحت عضواً في مجلس الإدارة وتوليت منصب أمين الصندوق.كيف تقيّم تجربتك مع «فرقة المسرح الشعبي»؟مفيدة جداً، إذ كان المسرح بمثابة أداة لتثقيفنا، وكنا نجلس مع الضويحي ونستفيد من مفرداته ومعلوماته، حتى على خشبة المسرح كنا نتعلم من خلال التثقيف التلقائي.لا بدّ لي من أن أوجه تحيّة إلى الضويحي الذي جعلنا نعشق القراءة والمسرح، فهو موسوعة ثقافية فريدة وتفاعل مع المجتمع بطريقة رائعة ولم يستطع أي كاتب آخر تقليده. كذلك أوجه تحية إلى كاتب فذ هو عبد الأمير التركي.في أي عمل كانت أول بطولة لك؟في مسرحية «العلامة هدهد».كيف عمّقت ثقافتك المسرحية؟من خلال تجاربي على المسرح. حفّزني دور المدعي العام في مسرحية «الجنون فنون» على التركيز على اللغة العربية، بعد ذلك اكتسبت ثقافة ذاتية بالمطالعة ومجالسة الكبار الذين ما زلت أتعلم منهم لغاية اليوم.تردد في أكثر من مناسبة أن مسرحيتي «مغامرة رأس المملوك» و{المتنبي يجد وظيفة» هما نقطة تحوّل في مشوارك، لماذا؟«مغامرة رأس المملوك» هي مرحلة البلوغ الثقافي والمهني إذا صحّ التعبير، وقد فتح لي عملي مع المخرج أحمد عبد الحليم كمساعد مخرج وبطل ومخرج منفذ لمسرحية «المتنبي يجد وظيفة» أبواباً جديدة نفذت من خلالها إلى عالم المسرح الذي لا حدود له، وأكملت المسيرة بين الإخراج والتمثيل.ماذا عن مسرحية «رسائل قاضي أشبيلية»؟التقيت فيها الفنان سعد أردش، وهو مدرسة أيضاً في عالم المسرح، فاستفدت منه وخلت نفسي أنني دخلت المعهد العالي كطالب، لكن في الجانب الميداني. في هذه المحطات كافة عمّقت تجربتي النظرية والعملية، لا سيما أن البروفات كانت تستغرق ثلاثة أشهر.ما أبرز المسرحيات التي أخرجتها لـ «فرقة المسرح الشعبي»؟«زوجة من سوق المناخ»، «ثلاثة في ثلاثة»، «المتنبي يجد وظيفة» كمخرج منفذ، كذلك قدمت هذه المسرحيات خارج الكويت برؤى إخراجية مختلفة، فأخرجت ثلاثة عروض في ستة أيام وفي بيئات مختلفة: الأول على المسرح الروماني وتميّز بشكل مختلف وتخطيط مغاير لخمسة وأربعين ممثلاً، الثاني في المونوستير في قلاع المرابطين العربية وتميز باستغلالي المكان كله، والثالث في العلبة الإيطالية.كيف كان تعامل أعضاء الفرقة مع بعضهم؟ كنا جميعاً يداً واحدة ووضعنا نصب أعيننا إظهار العمل كاملاً للجمهور، ولم يكن للأنانية أي مكان بيننا. إلى أي مدى أفادتك مشاركتك في مسلسل «خولة بنت الأزور»؟عرض المسلسل عام 1974 باللغة الفصحة، والتصوير بمجمله كان خارجياً من إخراج حسين الصالح الدوسري، وتقاسم البطولة: المذيع أحمد سالم، سهير المرشدي، علي الزفتاوي، عاطف شعبان، وعلي جمعة...كيف كانت علاقتك بهؤلاء النجوم؟ «جميلهم عليَّ»، كانوا يوجهونني في الإذاعة القديمة، خصوصاً في بروفات القراءة قبل تسجيل أي مسلسل أو برنامج إذاعي حتى في برنامج «نافذة على التاريخ» للمخرج عبد الأمير التركي الذي كان حريصاً على هذه البروفات أيضاً، ما ساعدنا في تقويم اللفظ ومخارج الحروف، لذا يفترض على الإذاعة أن تحتضن في أرجائها صوراً لهؤلاء النجوم، لأن جيلي يشهد فضلهم.تميزت مسلسلات الأطفال قديماً أكثر من اليوم، لماذا؟عندما كان التلفزيون منتجاً للدراما حرص على إرضاء شرائح المجتمع أي الأطفال والشباب والكبار والعائلة كلها.ما أبرز تلك المسلسلات؟«علي بابا والأربعين حرامي»، «علاء الدين»، «مدينة الرياح» وغيرها، فهي تحمل قضية وقيمة ومضموناً في حبّ الأرض والخير وتنمي لدى الطفل حب المغامرة والشجاعة. أتذكر أنني قدمت شخصية «علاء الدين» للتلفزيون بعد مسرحية «مغامرة رأس المملوك» وكنت حليق الرأس، فقال لي سالم الفهد، مراقب التمثيليات آنذاك: «يجب أن تحلق شاربك أيضاً لتضع الباروكة».كيف استعديت لتجسيد شخصية علاء الدين؟من خلال متابعة الأفلام الهندية القديمة التي كانت تعرض في سينما، وقد تناولت هذه التراثيات كعلاء الدين وحاتم الطي. كذلك قرأت القصة ضمن حكايات «ألف ليلة وليلة»، وما زال صدى العمل يتردد منذ 32 سنة لغاية اليوم. ما أهمية القرية التراثية في تسهيل تصوير الأعمال؟ لا بد لي من شكر خليفة عمر خليفوه على بنائه القرية بصخور استقدمها من أماكن بعيدة، إضافة إلى الأبواب والأخشاب والبواري والجندل، التي صورت فيها مسلسلات: «الفرية» و{التنديل» و{الهدّامة» وغيرها وتميزت ببعد تراثي وجمالي لا مثيل له. يفترض أن تنمي وزارة الإعلام هذا المشروع بحيث لا تحتاج إلى بناء قرية أخرى. يلاحظ أن الأعمال الحديثة لا تحقق نجاحات كانت تحققها الأعمال القديمة، إلام تعزو السبب؟ كان الفنان الكويتي سباقاً في التواصل الثقافي مع أشقائه الخليجيين. مثلا، قدمنا في «المسرح الشعبي» أول مسرحية في البحرين (1965) بعنوان «هذا الميدان يا حميدان»، وفي الفجيرة (1976)، إضافة إلى وجود المسرح الحرّ، وهو مسرح خاص، يضمّ النجمين الكبيرين عبد الله خريبط وعائشة ابراهيم ومجموعة من الممثلين الذين قدموا أعمالهم التلفزيونية والمسرحية أمام الجمهور الخليجي في الإمارات.لذا يعود إلى الفنان الكويتي الفضل في هذا التواصل، من هنا تجده محبوباً في منطقة الخليج، ولا عجب إذاً في أن يلوم الخليجيون فنانهم المحبوب على عدم تقديم أعمال على مستوى تلك التي قدمها سابقاً. من جهة أخرى، لا تمنح الدولة المسرح الشعبي أو غيره من المسارح إمكان العمل بنظام المنتج المنفذ. عندما كان الشيخ أحمد الفهد وزيراً للإعلام، أتاح الفرصة لدعم الفرق المسرحية الأهلية عن طريق المنتج المنفذ، فقدمنا عبر الموازنة الممنوحة لنا مسلسلين: «بيت العائلة» الذي يعالج قضية اجتماعية و{زينة الحياة». اليوم لا نجد من يدعمنا.أما بالنسبة إلى القنوات الأخرى فهي لا ترعى المجموعات كالمسارح الأهلية، في حوزتنا مجموعة من النصوص من بينها نص للكاتب طارق عثمان وقد طلبت أسرته أن ننتجه، لكننا نجد صعوبة في ذلك.