«لن يكون ملفنا النووي على طاولة مباحثات إسطنبول المرتقبة أبداً, بل كل ما هو مطروح الحوار بيننا وبين الدول الست الكبرى حول موضوعات أساسية هي محل اهتمام تلك الدول بقدر ما هي محل اهتمامنا كدولة ذات ثقل مركزي في الإقليم كما في المعادلة الدولية وفي طليعتها أمن الطاقة العالمي، وهو ما تم الاتفاق عليه كإطار عام للمباحثات في محطة جنيف الثالثة تحت عنوان الحوار من أجل التعاون!».
هذا الكلام هو لمسؤول إيراني سابق معني بالملف النووي, وهو كلام يلخص حالة القلق والرجاء التي تلف محادثات إسطنبول المقبلة!وبينما تستعد الدول الكبرى وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأميركية لاقتحام غرفة المحادثات بوابل من الأسئلة والتساؤلات المشككة بالنوايا الإيرانية لإجبار المفاوض الإيراني على القبول بوضع ملفه النووي على أجندة المباحثات, فإن الجانب الإيراني يذهب إلى تلك المباحثات هذه المرة ومعه ملف ثقيل جداً وخطير جداً ألا وهو الاستخبارات الإسرائيلية، ودورها في اغتيال العقول النووية في العالمين العربي والإسلامي, وذلك بعدما تمكنت المخابرات الإيرانية من اختراق هذه المؤسسة الإسرائيلية الخطيرة والوصول إلى مخطط اغتيال علماء الذرة في المنطقة واعتقال واحدة من شبكاتها السرية ما أوصلها إلى أحد العملاء المتورطين مباشرة في اغتيال العالم النووي الدكتور علي محمدي العام الماضي.ومن أجل حشد أوراق التفاوض الإضافية التي تثقل هذا الجانب على حساب الآخر كانت زيارة هيلاري كلينتون الخليجية الأخيرة واحدة من وسائل الضغط والتهويل التي تمارسها واشنطن على إيران, بينما كانت طهران منشغلة ولاتزال بدعوة أكبر عدد تمثيلي لأعضاء المجتمع الدولي لزيارة منشآتها النووية في كل من «نطنز» و»آراك», في نفس الوقت الذي تكشف فيه عن توصلها الى تقنية صناعة القضبان النووية والإعلان قريباً عن منشأتين نوويتين جديدتين للأغراض الطبية، كما أعلن رئيس هيئة الطاقة النووية الإيرانية ووزير الخارجية بالإنابة علي أكبر صالحي.في صنعاء كما في الدوحة التي زارتهما الوزيرة الأميركية بعد أبوظبي سمعت السيدة كلينتون كلاماً جديداً ومختلفاً هذه المرة وذلك لسببين: الأول، ألا وهو أجواء ما بعد فضائح «ويكيليكس». والثاني، العقيدة المتنامية لدى بعض الدول الخليجية بأنه بات من الضروري إعادة النظر في المعادلة الخليجية المائلة نحو «أمركة» مفروضة بحكم ظروف سابقة لمصلحة وضع إقليمي جديد يستدعي صداقة إيرانية تركية لتحقيق بعض التوازن المفقود هناك، كما تردد في دوائر صنع القرار في كل من مسقط والدوحة وأخيرا حتى في صنعاء، وهو ما طرق أسماع وفود إيرانية عديدة زارت هذه العواصم أخيراً.صحيح أن السيدة كلينتون في زيارتها الأخيرة قد طالبت- وبإلحاح- بمزيد من ممارسة الضغط على إيران من خلال ما سمته بتطبيق أشد للعقوبات عليها والتي باتت «تؤتي أُكلها»، كما ورد في تصريحات لها خلال الزيارة التي رتبت على عجل!إلا أنه وفي نفس الوقت الذي كانت فيه السيدة الأميركية تجول وتصول هناك, كان هناك ثمة اجتماع مهم جداً يجمع خبراء على مستوى رفيع من كل من إيران وأوزبكستان وتركمانستان وسلطنة عمان وقطر يعقد في العاصمة العمانية مسقط, تم الاتفاق فيه على فتح «كوريدور» اقتصادي استراتيجي يربط بين شبه القارة الهندية والشرق الأقصى من جهة، وبلدان شرق إفريقيا من جهة مع آسيا الوسطى والقوقاز تكون إيران هي الجسر الحديدي الواصل بينهما والمياه الخليجية الدافئة الحوض الحاضن لهذا المشروع الاستراتيجي الأهم من نوعه في تاريخ العلاقات العربية الإيرانية ما يذكرنا بمشروع إعادة إحياء طريق الحرير التاريخي الشهير!وما سمعه الإيرانيون هناك سواء الاقتصاديون منهم أو المبعوثون السياسيون الآخرون الذين وجدوا في عدد من عواصم المنطقة وقتها, هو ألا نيّة لدى الدول المعنية بخطاب كلينتون التشديد على إيران، بل العكس تماماً مزيد من الانفتاح عليها ومزيد من التكامل الاقتصادي معها, ما يجعل كلام الأميركيين أقرب ما يكون إلى التهويل ومحاولة كسب نقاط امتياز جديدة على طاولة محادثات اسطنبول المرتقبة أكثر مما هي واقع ملموس يمكن تطبيقه!وإذا ما أخذنا بعين الاعتبار ما يحصل في لبنان من تحولات كبرى وتسارع الأحداث في أكثر من عاصمة عربية أخرى، وفي طليعتها الانتفاضة الأسطورية للشعب التونسي العظيم، فإننا نستطيع القول إن النفوذ الأميركي الذي ظل مخيماً لأمد طويل على منطقتنا العربية والإسلامية في طريقه إلى الانكفاء أكثر فأكثر هو الآخر بعد انكفاءته العسكرية الواضحة في كل من العراق وأفغانستان.هذا الكلام هو بالضبط ما سمعه أكثر من موفد إيراني كان يجول في المنطقة من قادة خليجيين، مؤكداً للإيرانيين أن عهداً جديداً في طريقه للانبلاج ولو بعد حين, ما يدفعنا إلى الاعتقاد بأن حدود القوة الأميركية باتت محدودة ومكبلة بكابحات إقليمية لم يعد من السهل تجاوزها.* الأمين العام لمنتدى الحوار العربي الإيراني
مقالات
تكافؤ اميركي ايراني على طاولة اسطنبول!
17-01-2011