لحظات بعينها صاغت التاريخ العربي، وصارت محطات تاريخية فاصلة لا يمكن تجاوزها، بحكم قدرتها على كشف ما كان قبلها وصياغة ما جاء بعدها. وربما شكّلت هزيمة يونيو/حزيران عام 1967، المنعطف الأهم في التاريخ العربي الحديث، ومرد ذلك هو المظاهر الكثيرة التي ترتبت على ذلك، عسكرياً وسياسياً واجتماعياً واقتصادياً وفكرياً، ومنها التغيّر والانعطاف الكبيران في شكل ومضمون الإبداع العربي في: (القصة القصيرة، والقصيدة، والرواية، والمسرحية، واللوحة التشكيلية، والفيلم السينمائي). لقد كان يونيو/حزيران 67 تاريخاً فاصلاً لما كان قبله ولما جاء بعده. وها هو العالم العربي يشهد منعطفاً في تاريخ الأمة العربية الحديث، وهو ثورة 25 يناير 2011.

Ad

كأني بالأيام والسنوات القادمة، تشهد حياةً عربية مختلفة. وربما أهم مظاهر هذا الاختلاف، هو اعتمادها على الشباب عقلاً وفعلاً، واعتمادها على ثورة المعلومات وشبكة الإنترنت ومحركات البحث، واتصال الحدث بالإعلام المرئي والمسموع لحظة بلحظة. وهذا يؤكد للعالم أجمع، أن الشباب العرب، كأي شباب في العالم، يعيشون عصرهم الراهن، ويقفون نداً لأي شباب في العالم.

إن الملمح الأهم لثورة 25 يناير، هو نهوضها على جهد الشباب المخلصين والواعين والمتعلمين والمؤمنين بالحراك السلمي وحقهم في حياة حرة كريمة من جهة، وتعاون واندماج هؤلاء الشباب مع عموم شرائح ومكونات الشعب من جهة ثانية، بما يترجم ثقة كبيرة في قدرة الشباب. قدرة تتخذ من الواقع التقني العالمي الحديث والمتغير منطلقاً للوصل والتواصل فيما بينها وبين قواعدها، مثلما تعتمده جسراً لعبورها إلى الآخر، حيثما كان هذا الآخر، بغية إيصال فكرها وصوتها إليه.

يبدو أن فكراً إنسانياً عربياً جديداً وطموحاً سيتخلق من أحداث يناير 2011، وتالياً مجتمعاً وإبداعاً وفناً وأدباً ومثقفاً وجمهوراً. فلقد عبرت أحداث يناير 2011 فوق حياة ومجتمع كانا قائمين قبلها، وجلبت معها حياةً بملامح جديدة. وكذا ستجلب لاحقاً وعياً/إبداعاً جديداً، يتمثل في قصة ورواية ولوحة ومسرح ومقال وسينما وصحافة وإعلام.

نشر «جون ريد» عام 1919، كتابه الرائع «عشرة أيام هزت العالم» ولاقى صدى عالمياً جارفاً، ويبدو للعيان كيف أن شباب 25 يناير، كتبوا أياماً هزت العالم، حين جعلوا من قلب قاهرة المعز، ومن ميدان التحرير قبلة ونبعاً ومادةً للحدث الإعلامي العالمي، وحين دفعوا دماءهم الزكية ثمناً للحرية.

على المستوى الثقافي، فإن ثورة 25 يناير أفرزت واقعاً فكرياً وثقافياً وفنياً جديداً، وفرزت حسب مسطرتها وجوهاً وأقنعة. أسقطت وتجاوزت البعض، ورفعت شأن بعضٍ آخر.

لكل أمة من الأمم أيام تشير إليها، ومن المؤكد أننا، كأمة عربية، وكشرق أوسط عربي، عشنا خلال حركة شباب 25 يناير، أياماً تدلّ علينا، وتقول للآخر شيئاً جديداً ومختلفاً عن الشباب العرب، وعن المواطن العربي، وعن الحلم العربي، وعن الكرامة العربية، وعن المستقبل العربي.

يصعب تقييم الأحداث العظام، أثناء تشكّلها، ويصعب الحكم على نتائجها، لكني أتمنى أن تنجو الثورة بنفسها من المتهافتين على المغانم، ومن المنافقين المتلونين، وأقول، ولو من باب التمني، أن حياةً عربية مختلفة ستولد من رحم 25 يناير. فللمرة الأولى تصدّر الشعوب العربية بيانها الأول هادراً، ويكون ذلك بحناجر قلوبها، ومن الميدان والشارع لا من مبنى الإذاعة والتلفزيون، وبما يعني عودة الصوت العربي للحنجرة العربية.