لولا مجلس الأمة كمؤسسة دستورية والصحافة الحرة لما تم الكشف عن جرائم التعذيب البشعة وبعض مظاهر الفساد الموجودة داخل وزارة الداخلية، فمن ذا الذي يلومنا بعد اليوم إذا ما دافعنا عن مجلس الأمة كمؤسسة دستورية وعن حرية الصحافة؟

Ad

بدأت تتكشف يوما بعد آخر التفاصيل المقززة والمخيفة لجريمة قتل المرحوم محمد الميموني من قبل رجال المباحث؛ بعد عملية تعذيب عنيف استمر لعدة أيام، وهو ما يبطل الادعاءات المضللة والأكاذيب الكثيرة التي وردت في بيان وزير الداخلية، الذي تلاه في جلسة مجلس الأمة بعد إعلان وفاة المرحوم مباشرة، والذي عارضه بعض الأعضاء كونهم يملكون معلومات أخرى مغايرة تماما لما جاء في بيان الوزير، وهو الأمر الذي دعا المجلس إلى تشكيل لجنة تحقيق برلمانية من المفترض أن تقدم تقريرها النهائي بداية هذا الأسبوع.

كانت تلك هي البداية ثم بدأت تتوالى بعد ذلك التفاصيل الدقيقة للجريمة البشعة كاشفة عن وجود غرف تعذيب خاصة تتم فيها ممارسة وسائل تعذيب «مبتكرة!» راح ضحيتها المرحوم الميموني، وعاناها متهمون آخرون سواء في هذه القضية أو في قضايا أخرى. كما كشفت التفاصيل التي تنشرها وسائل الإعلام يوميا عن عمليات تضليل وكذب وتلاعب بالأدلة وتزوير بالسجلات الرسمية، وهو ما يعتبر جزءا أساسيا من الجريمة، ومؤشرا خطيرا على حالات فساد مؤسسي يجب التوقف أمامها بجدية، وعدم الاكتفاء بالاستجواب أو استقالة الوزير وإعفاء بعض القياديين، خصوصا أن الأمر يتعلق بمرفق حيوي ومهم يتولى المحافظة على أمن الناس وحمايتهم.

إذن لولا مجلس الأمة كمؤسسة دستورية والصحافة الحرة لما تم الكشف عن جرائم التعذيب البشعة وبعض مظاهر الفساد الموجودة داخل وزارة الداخلية، وهذا هو أهم ما يميزنا عن الدول البوليسية والقمعية المنتشرة في المنطقة. من هنا فإن السؤال الذي يطرح نفسه هنا هو: ترى ماذا كان سيحصل لو لم يكن لدينا مجلس أمة وصحافة حرة؟ في ظننا أن الأمور كانت ستسير كما هي الحال في بعض الدول العربية كالتالي:

1 - إما أن تخفي وزارة الداخلية حالة الوفاة رسميا، وتكتفي بتسليم جثة المرحوم لذويه لدفنها مع إبلاغهم من قبل مسؤولي الداخلية أن الوفاة حصلت نتيجة لمشاكل صحية خطيرة كان يعانيها المرحوم، وانتهى الموضوع، إذ ليس لذويه أي حق في معرفة أي تفاصيل إضافية لأن الوزارة «أبخص».

2 - وإما سيتلى بيان رسمي صادر من قبل وزارة الداخلية مشابه للبيان المضلل والمليء بالأكاذيب الذي تلاه وزير الداخلية في جلسة مجلس الأمة؛ تظهر فيه الوزارة حرصها على سلامة المتهمين، وأنها وزارة «شفافة!» تصارح الرأي العام، ولا تخفي عنه شيئا البتة، وتعلن حالة وفاة متهم «خطير» يعاني مشاكل صحية بعد اعتدائه بالضرب على رجال المباحث الذين «كانوا يحيطونه بالرعاية الكاملة!»، ثم يترك الأمر بعد ذلك لوسائل الإعلام سواء الرسمية أو الخاصة القريبة من متخذي القرار من فضائيات وصحف لكي تدشن حملة إعلامية واسعة؛ تتحدث فيها عن «شفافية» وزارة الداخلية، وصدق بياناتها الصحفية، ونزاهة مسؤوليها الكبار كافة، وإخلاصهم في عملهم؛ مع ذكر «اعتداءات المتهمين البشعة» على رجال المباحث!

لهذا فإنه من حسن حظنا أن لدينا مجلس أمة وصحافة حرة يكشفان الحقائق التي تحاول أن تخفيها الحكومة، ويدافعان عن حقوقنا الدستورية، فمن ذا الذي يلومنا بعد اليوم إذا ما دافعنا عن مجلس الأمة كمؤسسة دستورية وعن حرية الصحافة؟

 

كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء

يمكنك متابعة الكاتب عبر الـ RSS عن طريق الرابط على الجانب الايمن أعلى المقالات السابقة