الطريق التي نختار

نشر في 21-11-2010
آخر تحديث 21-11-2010 | 00:01
 ناصر الظفيري التّعساء فقط هم الذين لا يجدون سوى طريق وحيدة لا مناص من اتباعها للوصول إلى أهدافهم.

في قصيدة قديمة وشهيرة للشاعر روبرت فروست تتحدث عن شخص يقف أمام طريقين، وعليه أن يقرر الطريق التي سيسلكها.

يتمنى الشاعر أن يكون شخصين ليسلك الطريقين معاً، ولاستحالة ذلك فإنه يختار الطريق الأولى لأنها الأسهل، ولكنه يظل دائما يفكر في الطريق التي تركها خلفه والعمر الذي لا يسعفه أن يعود إليها ويسلكها مرة أخرى.

في لحظة ما من العمر نقف أمام طريقين، وعلينا أن نسير على طريق واحدة فقط، وفي الغالب نسلك الطريق الأسهل، تاركين الأصعب لأشخاص نطلق عليهم مجانين في أول الطريق وعباقرة في نهايتها.

لو لم يفكر الأخوان "رايت" في اختيار الطريق الأصعب نحو الفضاء لما تمكن الإنسان من الارتفاع عن الأرض. الطرق السهلة لا تصل بنا غالبا إلّا الى أهداف سهلة وواضحة.

في فيلم "الطريق الذي كنا" تختار باربرا سترايسند الطريق الأصعب، وهي تنتهج الكتابة اليسارية في أوساط هوليوود وبالطبع تفشل فشلا ذريعا، بينما يقرر زوجها روبرت ردفورد أن يكون كاتبا يمينيا فتفح له هوليوود خزائنها. يحاول الزوج أن يثنيها عن طريقها وترفض فينفصل عنها تحت ضغط المنتجين، ويراها ذات يوم بملابس رثة توزع منشوراتها على المارة من دون أن ينتبه اليها أحد. لم يكن بامكانها أن تعود إلى تسلك الطريق الأسهل، لقد فقدت تلك الطريق كونها خيارا.

الذين عاشوا منقطعين للعلم ومنفصلين عن الحياة حتى فقدوا شبابهم وبصرهم، كان بإمكانهم أن يسلكوا الطريق الأسهل ويعيشوا نعيم الجهل ومتعة تزجية الوقت على المقاهى، لكنهم  لم يفعلوا. كتاب الرواية وهم يخلصون لعملهم سنوات طويلة، كما أخلص بولغاكوف لروايته "المعلم ومارغريتا" لأكثر من عشر سنوات وهو يحلم أن يضع قارئ وحيد وردة على قبره، كان بإمكانهم أن يكتبوا مسلسلات تافهة للمحطات الفضائية الخليجية ويصنعوا أسماء اعلامية وأموالا طائلة، لكنهم قرروا أن يسلكوا الطريق الأصعب.

شعراء أخلصوا لعملهم وللإنسان في داخلهم، وعاشوا شظف العيش وفي إمكانهم أن يمدحوا السلطان ببعض الشعر، فيرميهم بصرة من المال من دون أن يشكك أحد في موهبتهم الشعرية وصناعتهم الفذة، لكنهم اختاروا الطريق الأصعب.

أفكر دائما بالمغامرين العرب في الوقت الراهن، وهم يركبون البحر نحو بلاد لا يعرفون لغتها ولا يعلمون عن مصيرهم فيها، تتحطم أحيانا أحلامهم قبل أن يصلوا نهاية المحيط، وأحيانا يلقى بهم في السجن ويعودوا مخفورين الى بلدانهم، لكنهم يعاودون السير على الطريق مرة أخرى من دون يأس. كان بإمكانهم أن يركنوا إلى الأسهل ويعيشوا كما يعيش غيرهم. إن الأمر لا يتعلق بالحياة والموت ولكنه يتعلق بالاختيار.  

لو قدر لأحدنا أن يبدأ مرة أخرى ويقف أمام مفترق الطرق الذي وقف أمامه من قبل فأي طريق يختار. الذين صنعوا الفارق الذي تحدث عنه روبرت فروست في نهاية قصيدته، هم الذين سلكوا الطريق الأكثر صعوبة، الطريق التي لم يسلكها أحد من قبل.

back to top