أصدر وزير الصحة د. هلال الساير منذ عدة أشهر قراراً بصرف كل الأدوية وتقديم خدمات العلاج الحكومية المختلفة إلى جميع الموجودين في الكويت، سواء كانوا مواطنين أو مقيمين، القرار بلاشك ذو طابع إنساني رفيع، ولكنه لا يتماشى مع حقائق الوقت الراهن وكلفة الخدمات الصحية المرتفعة التي جعلت أغنى دول العالم تتوقف عن تقديم مثل هذه الخدمات الصحية بلا مقابل أو حتى بمقابل رمزي، ولا توجد اليوم دولة من دول العالم الأول من لوس أنجلوس حتى طوكيو، ومن واشنطن حتى هلسنكي تقدم علاجاً وأدوية مجانية إلى الأجانب رغم مواقع تلك الدول المتقدمة في قضايا حقوق الإنسان ورعايته.

Ad

قرار وزير الصحة بدأت آثاره تظهر سلباً على المواطنين، وأصبحت قائمة الأدوية غير المتوافرة للأمراض المزمنة الرئيسية، مثل القلب والسكري والفشل الكلوي والسرطان وغيرها، تطول دون بديل، وبعد أن كان المرضى الكويتيون يترددون على الصيدليات المركزية في مستشفيات الأميري ومبارك والعدان وغيرها كل ثلاثة أشهر أو شهر لصرف أدويتهم أصبح بعضهم- "شياب وعجائز"- مراجعين بصفة أسبوعية لصرف أدويتهم المهمة، بسبب تقليص الكميات التي تصرف لهم، وإرجاع المسؤولين عن تلك الصيدليات سبب ذلك إلى عدم توافر الأدوية المطلوبة في المستودعات الطبية بعد قرار فتح صرف الأدوية للجميع، ولنا أن نتصور مدى معاناة أحد كبار السن عندما يعطى سبعة أقراص دواء صباحاً ومساءً لإدرار البول- أعزكم الله- بدلاً من حبة واحدة من دواء كان يصرف له سابقاً بسبب عدم توافره حالياً.

الجميع يدرك الحس الإنساني للدكتور هلال الساير في هذا القرار، ولكن هناك قرارات دولة يجب أن يراعى فيها المصلحة الوطنية أولاً، كما يحدث في جميع دول العالم، وحالياً لا يستطيع أي مواطن كويتي أن يحصل على تأشيرة دخول لمعظم الدول الأوروبية دون أن يكون التأمين الصحي مرافقاً له، كما أن طلبتنا في الولايات المتحدة وبريطانيا ومصر وغيرها من دول العالم تصرف الكويت عليهم مبالغ طائلة لتوفير الرعاية الصحية لهم، رغم أنهم مقيمون بصورة شرعية في تلك الدول، ويدفعون مبالغ كبيرة كضرائب ورسوم دراسية لمؤسساتها التعليمية، القرارات الإنسانية مطلوبة ولكنها يجب أن تكون ضمن إطار المصالح الوطنية، فلا يمكننا أن نتصور أن ينفرد كل وزير بإصدار مثل هذه القرارات لأسباب إنسانية، فنفاجأ مثلاً بوزير الإسكان يصدر قراراً بتوفير الرعاية الإسكانية لكل المقيمين في الدولة، لأن السكن حق إنساني، أو وزير التربية يصدر قراراً بفتح المدارس لكل الأجانب، لأن التعليم حق أصيل في وثائق حقوق الإنسان، بالطبع قدرة الدولة وإمكانياتها لن تستوعب مثل هذه القرارات، وتجربة قرار الساير الأخير تستوجب أن تكون كل القرارات الخاصة بالخدمات الأساسية للمواطن الكويتي قرارات حكومة (مجلس الوزراء)، ويشارك فيها كل الوزراء المعنيين، فقرار مثل صرف الأدوية وتقديم الخدمات الصحية إلى الجميع كان يجب أن يعرض على مجلس الوزراء، وتبحث إمكانية توفير الاعتمادات المالية له من وزارة المالية، وكذلك عرضه على وزير التجارة لبحثه مع مستوردي الأدوية، والاستفسار عن مدى قدرتهم على توفير الأدوية المطلوبة بكميات أكبر، خصوصاً في ظل التوتر الموجود في المنطقة، وضرورة تكوين مخزون من الأدوية الرئيسية في الدولة، وكذلك تأثير القرار على الخدمات الصحية بشكل عام، وبصفة خاصة على المواطنين الذين تعتبر رعاية مصالحهم المهمة الأولى والرئيسية لأي وزير وحكومة في العالم، لذا أصبح من الواجب الوطني تجميد قرار وزير الصحة صرف الأدوية بشكل مطلق، وعرضه على مجلس الوزراء لتوفير الإمكانيات المطلوبة لتنفيذه دون آثار سلبية على المواطنين، أو بحث مقترح بديل كإنشاء صندوق مالي خيري لتمويل صرف الأدوية الهامة للأجانب المقيمين والزائرين للدولة.

***

يؤسفني أن أغيب عن لقائكم عبر هذه الزاوية في الأسابيع الأربعة المقبلة لوجودي خارج البلاد، آملاً أن نعاود التواصل معكم في شهر نوفمبر المقبل وأنتم جميعاً بأفضل حال.