رهاب ديني
شقيقتي الصغرى التي لم تكمل ربيعها العاشر تعاني حالات هلع وفزع تضجر منامها، وتجعلها تئن ببكاء متقطع في آخر الليل، وهي تتدّثر تحت غطاء سريرها، مما أربك أرجاء المنزل وفرض على والداتي أن تُغيبها عن المدرسة لبضعة أيام، إذ إن الطفلة المسكينة ما إن يشق نور الصباح حتى تزول عنها تلك الحالات وتغط في سبات عميق.هي لا تعاني «رُهابا» ليلياً، فلطالما اعتادت أن تنام في غرفة حالكة السواد لوحدها، وهي كذلك لم تتعرض لأي شكل من أشكال العنف الأسري، فهي ريانة القلب المحببة لدى والديّ، والتي قطفا بولادتها آخر ثمرة من عنقود نسلهما، فسقيا تربة قلبها أضعاف ما سقيا لنا من أساليب الاهتمام وعبارات الدلال، كما أنني وجلّ إخوتها انشغلنا بفارق سننا ما بين اهتمام أحدنا بأطفاله وانكباب الآخرين منا على دروسه ومشاغله، مما جعل نظرية إرهابها من قبل إخوتها أمراً من المحال تحقيقه.
هذا «الرهاب» الذي جعلها رهينة بين فكيه لم يكن سوى مشهد يتكرر أمام ناظريها مع هبوط الليل، ولو أن ذاكرتها اختزلت هذا المشهد المفزع من شاشات التلفاز لكان أمراً هيناً، ولكنها للأسف استقت تفاصيله من معلمتها في المدرسة! ففي صباح مدرسي باكر، ومع قرع جرس إحدى الحصص، دلفت إلى فصلها معلمة مادة التربية الإسلامية، وبعد أن وضعت المعلمة الأوراق التي معها على الطاولة استدارت خلفها لتكتب شيئاً بسيطاً من تفاصيل درسها على سبورة الفصل البيضاء، ثم أخذت بعد مقدمة بسيطة تقرأ للعقول اليانعة التي أمامها نصاً من الحديث النبوي الشريف. لم يكن ذلك الحديث إلا مدرسة إسلامية خالدة تؤصل أركان الإسلام والإيمان من خلال الأسئلة التي طرحها جبريل عليه السلام، ولم تكن إطلاقاً مشكلة شقيقتي مع نص الحديث أو المادة المكتوبة أمامها في المنهج الدراسي، لكن معلمتها، التي على ما يبدو قد تأثرت بالكوارث الطبيعية والثورات الشعبية المجاورة، أتت على نص سؤال جبريل عليه السلام للرسول الكريم عن يوم القيامة، وأبت إلا أن تستعين بقدرتها التصويرية الخارقة وهي تصف للأطفال الذين أمامها أهوال يوم القيامة وأحوالها.ثم أخذت تحذر جموع الأطفال الأبرياء من أن موعد قيام الساعة قد اقترب، وأن علاماتها قد بدأت تتكشف، مما أرهب جل الأطفال في الصف، وغدت مشاهد خسوف القمر وزلزلة الأرض وزوال الجبال تتكرر بشكل مفزع أمام عيني شقيقتي، وهي تطلب النوم وقت ارتداء السماء ثوب المساء.لقد كان بإمكان المعلمة أن تعيد هذه الطفلة إلى المنزل وهي منتشية بجعبة رائعة من الترغيبات الإسلامية، عوضاً عن أن تجعلها أسيرة لمشاهد مرعبة لم تنفك عن التوارد إلى مخيلتها الضئيلة، كما أنه كان بإمكانها أن تتطرق إلى تلك النقطة بشكل يتلاءم مع عقل الطفولة البريء!