نحن أمام ثلاثة أمور في غاية الأهمية: الأول، يتعلق بالمسؤولية السياسية للوزير الذي لم يعتذر، كما كان متوقعاً، عما حصل من جريمة بشعة، أما الأمر الثاني فيتعلق بالمسؤولية الجنائية التي يتحملها كل مَن له دورٌ بأي شكل من الأشكال في ارتكاب تلك الجريمة البشعة، والأمر الثالث والمهم أيضاً، هو منع ممارسة وسائل التعذيب بأي نوع كان ومع أي إنسان كان.

Ad

في الدول الديمقراطية يشعر الإنسان بالأمان عندما يرى قوات الأمن لأن مهمتها الأساسية حمايته وحفظ حقوقه والعكس صحيح تماماً في الدول البوليسية التي نقرأ ونسمع عنها في الروايات والتقارير الإخبارية الكثير من الحكايات المرعبة والقصص المفزعة لبعض الأشخاص الذين ابتلوا بالأنظمة القمعية، إذ ينتاب الإنسان في تلك الدول الخوف والرعب بمجرد رؤيته لرجال الأمن لأنه من المحتمل جداً أن يعتدوا عليه بالضرب من دون أي سبب، ثم يقتادوه إلى مركز الشرطة من دون أن يسمح له حتى بالاتصال بأسرته أو أصدقائه، وهناك سيجعلونه يرى «نجوم الظهر» بما لديهم من أساليب «متطورة ومذهلة!» في فنون التعذيب، وبعد ذلك فإنهم من المحتمل جداً أن «يلبسونه» تهماً «مبتكرة» لم يسمع عنها من قبل، ومع ذلك فإنه سيعترف بها تحت وطأة التعذيب الجسدي والنفسي القاسي والعنيف.

ومع أننا لسنا في دولة بوليسية وهناك علاقة تاريخية طيبة بين رجال الأمن والناس، فإن هناك بعض الممارسات المقلقة التي وقعت أخيراً مثلما حصل في ديوانية النائب الحربش أو ما تم تداوله أخيراً من معلومات تفيد بأن هناك بعض الأفعال المشينة واللاإنسانية التي يمارسها عدد محدود جداً من قوات الأمن، والمتعلقة بتعذيب بعض المتهمين والتعزير بهم من أجل انتزاع اعترافات غير صحيحة، وهي ممارسات وأفعال مشينة تعتبر انتهاكاً صارخاً للدستور وخرقاً واضحاً لمواثيق حقوق الإنسان وتشويهاً لصورة عناصر قوات الأمن أمام الرأي العام، وهو الأمر الذي يتطلب وقفها على الفور.

ومن أمثلة هذه الأفعال اللاإنسانية البشعة التي يرتكبها بعض عناصر قوات الأمن، والتي تسيء إلى سمعة جهاز الأمن ككل، هو خبر قتل المواطن المتهم البريء قانونياً المرحوم محمد الميموني الذي قتل، كما تبين التقارير الطبية المنشورة ومن ضمنها تقرير الطب الشرعي، نتيجة للتعذيب الإجرامي العنيف، وهو الأمر الذي يتطلب كشف حقيقة ما جرى، ومحاسبة كل من له علاقة بالجريمة التي هزت الرأي العام الذي لم يعتد على مثل هذه الممارسات الشاذة.

وهنا فإننا أمام ثلاثة أمور في غاية الأهمية: الأول، يتعلق بالمسؤولية السياسية للوزير الذي لم يعتذر، كما كان متوقعاً، عما حصل من جريمة بشعة بل إنه حاول تبريرها وأعطى معلومات مضللة ومغلوطة لممثلي الأمة، وهو ما يجب أن يتحمل وحده مسؤوليته السياسية.

أما الأمر الثاني فيتعلق بالمسؤولية الجنائية التي يتحملها كل مَن له دورٌ بأي شكل من الأشكال في ارتكاب تلك الجريمة البشعة، بما في ذلك من حاول إخفاء المعلومات وتضليل الرأي العام؛ مع ضرورة عدم تعميم ما حصل من انتهاك صارخ للدستور ولمواثيق حقوق الإنسان على العاملين كافة بوزراة الداخلية، إذ تبقى هذه الجريمة وجرائم التعذيب حالات استثنائية تتم في ظروف استثنائية ما لم تثبت لجنة التحقيق البرلمانية العكس، وهو ما يتطلب استمرار لجنة التحقيق البرلمانية في أداء مهمتها للكشف عن ملابسات الجريمة، إذ لا علاقة البتة بين تقديم الاستجواب أو استقالة الوزير وتحديد المسؤولية الجنائية.

والأمر الثالث والمهم أيضاً، هو منع ممارسة وسائل التعذيب أي نوع كان ومع أي إنسان كان من قبل لجان التحقيق الأمنية كافة في المستقبل، مع توفير الضمانات القانونية والإنسانية للمتهمين الذين يعتبرون أبرياء حتى تتم إدانتهم في محاكمة عادلة لكي لا يتكرر ما حصل في المستقبل سواء أدت عمليات التعذيب في أثناء التحقيق إلى الوفاة كما حصل مع المرحوم الميموني أو لم تؤد إلى ذلك كما حصل، مثالاً لا حصراً، مع المتهمين الآخرين في القضية ذاتها.

 

كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء

يمكنك متابعة الكاتب عبر الـ RSS عن طريق الرابط على الجانب الايمن أعلى المقالات السابقة