أنتم تتحملون المسؤولية
حذرت وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون في خطبتها في مؤتمر السياسات الأمنية، الذي عقد أخيراً في ميونيخ في ألمانيا، من أن الشرق الأوسط الأشمل سيواجه «عاصفة» قوية من الاضطرابات إذا لم يطبق زعماء المنطقة إصلاحات سياسية. وحقيقة إن هذا مؤكد ولا يحتاج إلى براهين والانفجار الذي شهدته مصر قد يفاجئ الجميع بانتقاله إلى إحدى الدول العربية التي يتبجح قادتها بأن بلدانهم محصنة وأن شعوبهم تتمتع برغد العيش وبحريات عامة لا مثيل لها حتى في جمهورية أفلاطون الخيالية.ولعل ما لا تدركه السيدة كلينتون أن هذا الذي قالته في ميونيخ يعرفه حتى الأطفال الصغار في بلادنا، والواضح أن الإدارة الأميركية, التي أصابتها أحداث مصر المتلاحقة بالارتباك وعدم القدرة على التركيز، وذلك إلى حد أن تصريحات كبار المسؤولين فيها قد تضاربت بين مطالب للرئيس المصري حسني مبارك بضرورة التنحي على الفور ومطالب بضرورة إعطائه الفرصة للبقاء في سدة المسؤولية حتى سبتمبر المقبل, لا تعرف أن كل هذا التأزم، الذي سيؤدي إلى انفجارات فوضوية في هذه المنطقة، تتحمل مسؤوليته أميركا نفسها لسببين هما:الأول أنه كان عليها باعتبارها أصبحت القطب الأوحد في العالم بعد انهيار الاتحاد السوفياتي أن تلجأ بالتعاون مع الأوروبيين والدول الفاعلة في العالم بأسره إلى بلورة معادلة جديدة بعد انهيار معادلة الحرب الباردة وصراع المعسكرات لضمان الاستقرار في الشرق الأوسط وفي غيره، والاتجاه بدل الإنفاق المكلف على الصراعات والحروب إلى التنمية الاقتصادية ومحاربة الفقر الذي هو سبب كل علة في الكرة الأرضية.
الثاني أنه كان عليها أيضاً ألا تترك الإسرائيليين يعربدون في هذه المنطقة كما يشاؤون، وتتركهم يواصلون رفس عملية السلام بأقدامهم، الأمر الذي أبقى على التوتر في هذه المنطقة، وأفسح المجال أيضاً أمام القوى المتطرفة لتتمادى في نهجها الإرهابي، وأفسح المجال أمام الأنظمة الشمولية كي تواصل ممارسة الحكم وفقاً لما كانت عليه الأوضاع في العصور الوسطى، وتواصل رفع شعار «لا صوت يعلو فوق صوت المعركة».كان على الولايات, التي أصابتها «انتفاضة» مصر بالارتباك والهلع أكثر مما أصابت أباطرة الأنظمة الشمولية في الشرق الأوسط, أن تدرك أن بقاء القضية الفلسطينية بدون حل عادل ومقبول يضمن للشعب الفلسطيني ولو الحد الأدنى من حقوقه المشروعة، هو الذي أبقى على هذه المنطقة متوترة، وهو الذي وضع كل المبررات التي تحتاج إليها بعض الأنظمة العربية كي تواصل المماطلة في السير على طريق الإصلاح والديمقراطية. كل الانقلابات العسكرية التي تلاحقت في المنطقة العربية منذ أواخر أربعينيات القرن الماضي قد اتكأ أصحابها على القضية الفلسطينية، وكل بلاغات هؤلاء قد جرى إغراقها بالوعود السخية لتحرير فلسطين، وهذا بالتأكيد يعرفه ويدركه الأميركيون، وهم يدركون أيضاً أن سبب الانحياز العربي للاتحاد السوفياتي هو عربدة الدولة الإسرائيلية التي قامت بكل ما قامت به بدعم الولايات المتحدة والدول الأوروبية الغربية، والمفترض أن وزيرة خارجية أكبر دولة في العالم لا يخفى عليها هذا الأمر، وأنها تعرفه معرفة أكيدة.كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراءيمكنك متابعة الكاتب عبر الـ RSS عن طريق الرابط على الجانب الايمن أعلى المقالات السابقة