حصل أخيراً الناقد المغربي د. محمد مفتاح على جائزة زايد للكتاب في مجال الآداب، وهي جائزة «مشرقية» بامتياز، مع ملاحظة أن من فاز بها يمثل أحد أعمدة النقد الأدبي في المغرب العربي.
كنت دائماً أجد مجالاً للمقارنة بين محمد مفتاح وعبدالله الغذامي، فهذا الأخير لمع نجمه في مجال النقد، وصنف بأنه حداثي بامتياز، مع ملاحظة أنه تجاوز الحداثة سريعاً إلى ما بعد الحداثة، والنقد الثقافي، ومن ثم القفزات المتتالية في مجال التأليف الأدبي، ونظريات قراءة الخطاب. والحق أن الغذّامي بحاجة إلى وقفات متتالية بحجم دراسات أكاديمية، لا مقالات صحافية في ما يتعلّق بجهوده النقدية، فهو كما يصفه عبدالرحمن السماعيل «علامة سيميائية متنقلة، لا تعرف التوقف أو الاستقرار»، ووصفه الناقد البحريني الراحل محمد البنكي بأنه «علامة تسويقية» بالنظر إلى جهوده في المجال الثقافي الاجتماعي، وليس الأدبي النظري فحسب.وبالعودة إلى مسألة المقارنة بين الناقدين مع إقرارنا باختلافهما الشديد في ما يتعلّق بالمعالجة النصية لمؤلفاتهما النقدية، فعلى مستوى الصياغة تشعر بأنك حين تقرأ الغذامي تشرب من ماء زلال، فتبتلع النظرية بسهولة، ثم تستقر في ذهنك إلى أمد بعيد، ولكنك حين قراءة مفتاح تشعر وكأنك تمشي في «مطبات» غير مستقرة من المصطلحات والمفاهيم والمركبات اللغوية التي تشتم من خلالها رائحة الكلمات الفرنسية في لغتها الأم، وبالطبع ستضطر إلى قراءة الجملة مراراً لتهضم المعنى، والمقصود المعنى النقدي، وبعد هضمه يصعب نسيانه.لست في مجال هنا للمقارنة التفاضلية بين هذين العلمين، وهما من هما في مجال النقد والنظرية، ولكن ما استوقفني كتابان لهما يكادان يكونان في عنوان واحد، الأول للغذامي، وهو بعنوان «المشاكلة والاختلاف، قراءة في النظرية النقدية العربية، وبحث في الشبيه المختلف» 1994. والثاني لمفتاح بعنوان: «التشابه والاختلاف، نحو منهاجية شمولية» 1996. الملاحظ أن كتاب مفتاح صادر متأخراً بعامين عن كتاب الغذامي، ومع ذلك لا يمكن الجزم بأن هذا الأخير قد أفاد بشكل أو بآخر من سابقه، فالثابت أن المنهجية والتطبيقات مختلفة كلية في كلا الكتابين، وإن بقي أن البحث في مسألة «التشابه والاختلاف» انطلاقاً من النصوص الأدبية وانغماساً في الحياة العامة، والعلوم التطبيقية تقود إلى العديد من نقاط الالتقاء. فالغذامي معروف بميله نحو التحليل النقدي المرتكز على مفاهيم من النظريتين الإنكليزية والألمانية، في حين كان مفتاح صريحاً في إفادته من المدرسة الفرنسية وتحليل «كريماص» للخطاب تحديداً.وبذلك يرى مفتاح «أن أوّل من نقل مفهوم التشاكل من ميدان الفيزياء إلى ميدان اللسانيات هو «كريماص»، وقد احتل منذ ذلك الوقت هذا المفهوم لدى التيار السيميوطيقي البنيوي مركزاً أساسياً». والحق أن مفتاح وإن ارتكز على نظرية «كريماص» باعتبارها إحدى دعائم الدراسة البنيوية لم يُغفل الجوانب الأخرى إذ نجد في كتابه «التشابه والاختلاف» إشارات ومصطلحات من قبيل «النسقية الثقافية»، والمقولة هذه إحدى الإشارات المهمة في عالم «الدراسات الثقافية» المجال ذاته الذي أبدع فيه الدكتور عبدالله الغذّامي خصوصاً بعد صدور كتابه «النقد الثقافي». وبالرغم من «المطبات» التي أشرت إليها أثناء قراءة مفتاح، فإن الإصدارات المهمة لهذا الناقد تشي بتحوّل شديد في النظرية النقدية العربية، والأمر الذي أخذته لجنة التحكيم في جائزة زايد للكتاب بعين الاعتبار، بل إن اللجنة اعتبرت مفتاح أحد الساعين بجد نحو التأسيس «لنظرية نقدية عربية» مع ما يشوب ذلك من لبس على اعتبار أن النظرية واحدة تنتقل من لغة إلى أخرى، بحسب المعارضين لمقولة «نظرية نقدية عربية»، فاز الغذامي قبلاً بجائزة العويس كما فاز بها مفتاح أيضاً، هما علمان نقديان أحدهما ينحت في المشرق، والآخر مغاربي، يتحفنا بمؤلفاته ولغته «الممانعة».
توابل - ثقافات
مشرقي ومغاربي
06-03-2011