أريد أن أقول إن الصمت أيضاً يأتي للاعتراف، إن حياتك مدينة صاخبة هذه الليلة، حياتك هذه الليلة مليئة بالأضواء والنيازك والمسافرين. قل لي إنك نائم في العربة الأخيرة من قطار الأيام، حيث يتصارع الأموات والأحياء.

Ad

(قل لي من أجل ماذا؟)

فوق سقفك، أمام سريرك، والملاك رجل تائه في الغابة، أو واقف فوق جسرٍ ينهار

في هذه اللحظة، لن يفعل شيئاً من أجلك، لأنه خائف، لأن الحيرة محفورة على جبينه ببلطة أو فأس والجريمة واضحة، أُريد أن أقول إن الصمت أيضاً جاء متأخراً لكنه جاء مثل هواء خفيف ممزوج بضحكة الشيطان.

أحلامي وعازفة البيانو

الليلُ وهذا السلّم الحجري قد لا يؤديان إلى مكان، لكنني وأنا أصعد أفكر

في الوجه والهيئة الحزينة لامرأةٍ ما، الرقبة طويلة كأنها خارجة من لوحة

مودجلياني، العيون الصغيرة عمياء تقريباً. فوق، في الغرفةِ الأخيرة، ينعقدُ المصيرُ مثل حبلٍ مشدودٍ بنغمة الكلام. كلُ خطوةٍ، هي الخطوةُ الأولى، كأنها تنتزعُ جذورها من تراب الأرض، حجر السلّم يلمعُ، كأنما يَدُلني على الطريق إلى الأعالي، لذا لن تستلم هذِهِ القدمُ لأغنية الحوريات. هناكَ دائماً إشارةُ أملٍ صاعدةٌ تنبتُ كبذرة في الريح. وعندما أنظر إلى حياتي من الأسفل أسمعُ كأنها قادمة من جوف نهرٍ بعيد وهي تدفع بظهري المُبلل بالعرق والتراب إلى الأعلى.

في المرآة ذات الإطار الفرنسي المذّهب، يتطاير شعر المرأة العمياء، لأن الضوء قوي كأنما يشّع من لؤلؤةٍ في الذكرى أو ينبثق من بطن محارةٍ مدفونةٍ في الرمل.

أمام الباب المفتوح تستقبلني موجة من الموسيقى والأعاصير عازفة البيانو تنام وحيدة في الظلام، ومن قاع عينيها يسمع المرءُ أنشودة الأسى في التلال البعيدة.

البلدةُ السعيدة

سيستوقفك البائعُ والطبّال على أعتاب البيوت، كأنهما في انتظارك

وأنت نائم، كأنما في أحلامك شفرة حادة بريقها، يشير إلى هذه البلدة السعيدة.

بالكاد تصلُ خطوتُك إلى هناك، فوق حجر الطفولة، بالكاد ترفع عينَك إلى سماء غائمة خالية من الطير، وأنت تلهثُ لأنك أتيت بأقدامك أولاً ثم شممت الأرض لأنك تزحفُ كخرقةٍ تدفعها ريحُ الحنين إلى النهاية في رخاوة اللّيل يجري النهر في رأسك، وأنت تسبح كأنما في مرآة لترى أحلامك تقريباً قد تتحقق في يوم ما، في ليل ما فوق شريان المصير حتى يستوقفك البائعُ والطبّال ليطرداك من الجنة الموهومة.

البيت

في هذا البيت لا تغادر الروح شقاءَها عبر ثقوب الجدران، حتى لو،

حتى لو كان السقف المصنوع من جذوع النخلةِ يتمايل في الريح والليل.

نظرةٌ أو تحديقةٌ آلهةٍ تقفزُ من حجر قديم، بشمعة تحرق يدي وأنا أجوس

المداخل والأبواب أسمع نأمةً، حركةً مأهولةً بأصوات أولئك الموتى وهؤلاء، أهي قطة، سنور مهجور عينه المفقودة دليل المسافرين إلى العالم السفلي سحلية ظمأى إلى افياء ماضيها. أو أفعى تنتقم من طفولة غابر الأيام.

ذكرى ملاكٍ باقية، ترفرف مثل وشاحٍ أسود فوق جسد نائم ذنوب المنعطفات الكبيرة تحت صخرة الحياة. إذا كان هذا حقاً، إذا كان هذا حقاً يا إلهي!

من سيرمي بعد الآن حجراً من قاع بئرٍ قاحلةٍ إلى تاج السماء.

الأفعى

هنا تحت هذه الشجرة تنام الأفعى، إنها تنظر إلي بعينين أخويتين،

حتى أن رنين أجراسها يصلني ناعماً مثل موسيقى الأموات. لستُ

آدم وحواء ليست هنا، ثم أن التفاح فاسد هذه الأيام. لكنها مع ذلك

ترفض مغادرة شجرة حياتي. جنتي الوحيدة في هذه الصحراء.

تنام صامتة كأن في رأسها يدور دولاب الخليقة بلا توقف تحت

أقدام الرب. ثم ما الذي تريد أن تقوله هاتان العينان الحزينتان في

برية شاسعة كهذه، في الماضي عشت في مدن كثيرة تظهر الآن

في الذكرى كأنها ظلال مقيدة بالسلاسل دون أن أعرف أبداً بأن يوماً

ما سيأتي، لحظة ما، في هذا المكان، تحت شجرة حياتي هذه،

لتنام الأفعى ذات الوبر الذهبي، لتغني لي تراتيل عن الليل والنجوم

والأضرحة. بينما تغيب شمس الخوف باردة، ثقيلة في مرآة أيامي

هكذا كرت الأيام والسنوات حتى فهمت أخيراً رسالة الموت.