حتى الآن فإن ما يحلو للبعض تسميته «الثورات العربية» لم يبلور أي حالة أفضل من سابقتها حتى في تونس ومصر فالأمور لا تزال مرتبكة، والمعادلة الجديدة لم تستقر بعد، ويصاحب هذا كله عمليات ثأرية و»مكارثية» ربما يعود معظمها إلى أسباب شخصية وبخاصة عمليات السلب والنهب والزعرنات التي تجعل ليل القاهرة المتأخر كوابيس مرعبة تحاصر الناس في منازلهم منذ ساعات المساء المبكرة في مدينة اعتادت أن تبدأ سهرها بعد منتصف ليل كل ليلة.

Ad

إن هذا ليس حكماً على هذه «الثورات الشبابية» التي يبدو أنها اختُطفت منهم مبكراً لأنهم بالأساس غير قادرين على قيادة دول أوضاعها في غاية التعقيد والتداخل ولأنهم انطلقوا بتداعيات على شاشات الـ»فيس بوك» وبشعارات عامة وبدون قيادة وضعت خططاً مسبقة وحددت سلفاً مع من تتحالف وما هي خطواتها المرحلية وما الذي تريده في المستقبل.

ليس هناك أسهل من الهدم، إذْ بالإمكان هدم ناطحة سحاب شاهقة تعانق غيوم السماء, استغرق بناؤها شهوراً طويلة, خلال ثانية واحدة وهذا ينطبق على الدول التي بنيت خلال عقود بل قرون والتي بالإمكان تدميرها وحرقها وتشتيت شمل أهلها خلال أسابيع قليلة إذا سلَّط الله عليهم مجموعة جاهلة وعصابات قتل وإرهاب وانقلاباً عسكرياً ارعن، وإذا ابتليت بحرب أهلية مدمرة وهذه شواهد التاريخ القديم والحديث أمامنا وهي لا تقتصر على الصومال وأفغانستان فقط.

لا خير في أي ثورة إن لم تجعل مستقبل البلد المعني أفضل من حاضره وماضيه، وإن لم تجنب هذا البلد مآسي الفوضى التي وصفها جورج بوش (الابن) بأنها «خلّاقة» والتي قد تتحول إلى مدمرة إن لم تشدد القوات المسلحة المصرية قبضتها على الأمور وتضع حداً لكل هذا التلاعب بمقدرات البلاد وأمن العباد.

وهنا وتحاشياً لأي التباس فإنه كان يجب أن تكون كل هذه الانتفاضات الشبابية، فالأوضاع في المنطقة العربية كلها من «المحيط الهادر إلى الخليج الثائر» لم تعد تطاق إذ إن الفساد أصبح حالة متفشية والقمع السري والمعلن تجاوز كل الحدود وأصبحت بعض الأنظمة العربية المستندة إلى ركائز انقلابات عسكرية مخزية أسوأ من نظام «بول بوت» الشهير في كامبوديا وأيضاً الأجيال الصاعدة وجدت طرق المستقبل كلها مغلقة وشائكة.

لكن هذا يجب ألّا يعني أن يُهْدَم القديم دون أن تكون هناك إمكانية للبناء ويجب ألّا يعني تسليم بلد عظيم تاريخه يمتد إلى آلاف السنين إلى الفوضى والارتجال أو إقحام أي بلد آخر في حرب أهلية إن هي اشتعلت نيرانها فإنها لن تبقي ولن تذر والمثل يقول: «إن الطريق إلى جهنم معبّدة بذوي النوايا الحسنة». وحقيقة أن نوايا الشبان المتحمسين الذين قاموا بكل هذه الانتفاضات وكل هذه الثورات المجيدة لا يمكن الشك والتشكيك بها لكن هذا لا يكفي إطلاقاً، ولهذا فإنه لابد من التأكيد على أن دور القوات المسلحة المصرية التي هي مؤسسة وطنية عريقة أساسيٌّ لضمان عدم انحراف ظاهرة «ميدان التحرير» عن خط سيرها وإقحام مصر في فوضى لا أحد بإمكانه أن يتصور كيف ستنتهي وعلى أي وضع ستستقر وهذا ينطبق على ليبيا وعلى اليمن وعلى الدول العربية الأخرى التي غشيتها أمواج هذه الظاهرة العظيمة.