حشاش على أعلى مستوى!

نشر في 01-04-2011
آخر تحديث 01-04-2011 | 00:00
 حمد نايف العنزي حين يقال بالعامية إن فلانا من الناس «حشاش» فهذا لا يعني أن له علاقة بالحشيش وتدخينه لا سمح الله، إنما هو لقب يطلق على من يهوى نشر الأكاذيب على غيره من الناس بنية تشويه صورتهم عند الآخرين لغرض في نفسه، أو دون غرض، أي مجرد هواية!

و«الحش» فن رفيع، لا يتقنه إلا قلة من الموهوبين رغم كثرة الممارسين له، وهو قديم جدا، قدم التاريخ البشري، لكنه شهد انتشارا واسعا في الآونة الأخيرة مع تطور وسائل الاتصال، فلا تخلو جلسة من دونه، ولا يطيب حديث «بلاه»، فهو أنس المجتمعين، وسلوة الساهرين، ومادة رئيسة «للمسنجريين والفيسبوكيين والتويتريين»!

في فن «الحش»، أيها السيدات والسادة، يوجد ثالوث دائم «حشاش، محشوش به، ومحشوش إليه»، الطرف الأول علاقته طيبة ظاهريا مع الطرف الثاني الذي هو على علاقة «مش ولابد» مع الطرف الثالث، لذلك، تجد «الحشة» طريقها بسهولة من لسان «الحشاش إلى المحشوش إليه»، وتحظى بقبوله حتى إن كانت لا علاقة لها بالمنطق ولا يقبلها العقل بالمرة، فالقضية قضية قابلية واستعداد للتصديق فقط!

وتحفل حياتنا اليومية بممارسات «حشية» متنوعة بدءا من الطفل الذي «يحش» بإخوته عند والديه، مرورا بالطالب الذي «يحش» بزملائه عند مدرسيه، إلى الموظف الذي «يحش» بزملائه عند مسؤوليه، وصولا إلى المسؤولين الكبار الذين «يحش» بعضهم ببعض عند الوزير، والذي بدوره يشغل موقعا يسمح له بأن «يحش» بمن يشاء... عند من يشاء!

و«الحش» في الواقع علم وفن يجمع صاحبه بين الموهبة والتدريب والخبرة، ولكي يصبح المرء حشاشا متمكنا، عارفا لصنعته، مبدعا فيها، يشترط به أن يكون لديه بعض من الدهاء، وسرعة البديهة، والقدرة على الابتكار، وترتيب الأفكار، وتنسيق العبارات بشكل مقنع ومعقول!

وللحشاش الماهر دائما استراتيجة ذكية، فهو حين «يحش» بأحد ليفسد ما بينه وبين آخر، لا ينتقده ببساطه ولا يدخل فيه «عرض» كما نقول بالعامية، إنه يريد من «المحشوش إليه» أن يعرف أولا أنه صديق «المحشوس به» وأنه يحبه ويقدره، لينطلق بعدها من نقطة المدح والثناء إلى كلمة (ولكن) التي تتساقط بعدها الكلمات الصغيرة كما تتساقط قطرات الماء قطرة قطرة لا يشعر بها أحد، وصف عابر، حكاية صغيرة، نكتة بريئة، رويدا رويدا وعلى «رواقة»، حتى تكتمل عند «المحشوش إليه» صورة مشوهة عن «المحشوش به» لا علاقة لها بواقعه إطلاقا!

ولا يشعر «المحشوش إليه» بتسرب هذه الصورة وتكاملها في ذهنه عن فلان من الناس شعوريا، فهي تنمو وتكتمل في اللاشعور يوما بعد يوم، فيبتعد عنه، وينفر منه، دون أن يُري «المحشوش به» سببا واحدا مقنعا لذلك التغير، رغم أنه يعيد ويقلب الذاكرة مرارا وتكرارا بحثا عن زلة أو خطأ ارتكبه فلا يجد شيئا بالمرة!

وغايات «الحشاشين» كثيرة تحكمها الظروف والرغبات والغايات، منها الرغبة مثلا بالانفراد بثقة كبير من الكبار دون باقي الزملاء، أو إبعاد منافس من المنافسين عن الطريق، أو فسح الطريق لشخص أسهل انقيادا من الموجود... وغير ذلك كثير، أما الدوافع فهي الحسد والحقد والكراهية والانتهازية!

واليوم... لم يعد «الحش» مقصورا على الأفراد، بل أصبحت مؤسسات إعلامية كاملة عملها الرئيس ممارسة «الحش» ضد سين أو صاد من الناس مقابل أجر معلوم أو تنفيذ لرغبات ومصالح «المعزب» إن كان من المتنفذين أصحاب المصالح التجارية والسياسية، وما كثرة التباكي على المصلحة الوطنية واقتصار الهمز واللمز ليل نهار على شخص أو فئة من المواطنين لتصويرهم بأنهم سبب كل الأزمات والمشاكل في البلد، إلا نوع من الحش المؤسسي المنظم الذي ينفذ أجندات معينة لفلان أو علان من الناس رغم كل مظاهر الصدق المصطنع التي تغلف ملامح المتحدثين على الشاشة بحرقة وحسرة تقطع القلوب وتدمع العيون!

إنه «حش» على أعلى مستوى: ضرب تحت الحزام، وتشهير بولاء الناس وذممهم دون أدنى دليل، واستمرار بترديد الإشاعات والاتهامات لكل من لا تشتهيه النفس أو يقف عقبة في الطريق حتى يصدق الناس، فلا تصدقوا أيها الأحبة كل ما تسمعون فنحن اليوم في زمن «الحشاشين» الذهبي!

 

كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء

يمكنك متابعة الكاتب عبر الـ RSS عن طريق الرابط على الجانب الايمن أعلى المقالات السابقة

back to top