تعلمت من الحسين بن علي كيف أكون مظلوماً لكي أنتصر, هذا ما قاله الزعيم الهندي غاندي بعدما قاد بلاده إلى التحرر والاستقلال من الاحتلال البريطاني لشبه القارة الهندية الذي الذي دام حوالي خمسمئة سنة.

Ad

أما الزعيم الصيني ماوتسي تونغ فقد أعلن مع بدايات الثورة الصينية أن مدرسة الحسين وثقافة مواجهة النظام الظالم قد ألهمته طريق الانتصار فنجح في قيادة أكبر كتلة بشرية على وجه الأرض نحو تغيير التاريخ وفرض منظومة سياسية اقتصادية جديدة مازالت تنافس في عالم الصناعة والتكنولوجيا والفضاء.

فما سر المظلومية التي سطرها حفيد الرسول الأكرم (صلى الله عليه وسلم) فاخترقت جدار الزمان والمكان، واستقطبت القلوب والعقول، واستنهضت الهمم، وحركت المشاعر الإنسانية، وملأت الوجدان، ودبت روح الحياة من جديد في الصغير والكبير على مر العصور رغم التنوع الهائل في التجارب التاريخية والكثرة اللا محدودة من صور الثورات والنظريات والحركات السياسية والنهضات الفكرية؟

وما السر في بقاء ودوام التجربة الحسينية وتطورها وانتشارها وثبات حيويتها وتجددها وتجسدها كأنها حدث اليوم رغم مرور قرابة ألف وأربعمئة عام على وقوعها بينما اندثرت حضارات بشرية عملاقة وزعماء جروا خلفهم جحافل لا حصر لها من القوة والعتاد، وانهارت حكومات تسيدت الأراضي والبحار ولكنها تبخرت وتلاشت في نفق الزمن الطويل وطويت حتى ذكرياتها بالكامل؟

إن المظلومية التي جسدها الإمام الحسين (عليه السلام) واستقرت في ذاكرة التاريخ تنبع من حقيقة واحدة هي صدق تعريفها، ومصداقية معناها، والإخلاص في ترجمتها قولاً وعملاً, ولذلك لم يختلف على مظلومية الحسين أحد منذ انطلاقة مسيرته نحو كربلاء، وما حملته من بيان إعلامي وضع خلاله كرامة الإنسان وحريته وإبائه للضيم وعدم الرضوخ للإرهاب أياً كان مصدره، ومهما كان حجمه, واستمرت هذه المسيرة بعد استشهاده بل في عقر دار حكام وسلاطين زمانه الذين أمروا بقتله.

وقد فشل قتلة الحسين (عليه السلام) أنفسهم في تبرير هذه الجريمة وجرت عليهم ذيول الخزي والعار، ولهذا لم يتجرأ أحد بعد ذلك في خدش صورة هذه المظلومية من جديد فبقيت النموذج الوحيد الذي لا يقبل التجزئة أو الرأي والرأي الآخر ليس بين المسلمين أنفسهم فحسب، إنما في الحالة البشرية برمتها قديماً وحديثاً وحتى مستقبلاً.

وحتى يعطي معنى المظلومية حقها الطبيعي وتلقائيتها فقد ترك الإمام الحسين (عليه السلام) الأمور تسير في مساراتها، وتكون صورة المشهد العام حقيقية، فقدم أبناءه وأهل بيته وصحبه في ميدان المواجهة، حيث تتكالب الآلاف المؤلفة من الجيش النظامي على أفراد وبكل وحشية، حيث يقطع كل منهم إرباً إرباً, ولم تشفع للإمام نفسه مكانته وقدسيته ودرجته وفكره وطرحه في نحره وحز رأسه الشريف أمام نسائه وأطفاله, ولم يتوان الظالمون بعد هذه المجزرة عن انتهاك حرمة الرسول وتحويلهن إلى سبايا وكأنهن بقايا أعداء في حرب نظامية بين دولتين.

فسلام عليك يا أبا عبدالله في يوم تتجدد فيها مظلوميتك وتنادي قطرات دمك الزكي: "لا أعطيكم بيدي إعطاء الذليل ولا أفر فرار العبيد".