ترتبط قوة القطاع المصرفي عموماً بحجم ومستوى النشاط الاقتصادي المحلي، فحيث يتسع هذا النشاط وتتعدد مكوناته وتتعاظم المبادلات البينية بين وحداته، تتزايد أعمال الوساطة المصرفية بين هذه الوحدات، فيتعزز دور البنوك وتقوى مراكزها المالية وتزداد معدلات نموها. وتكاد العلاقة الإحصائية بين معدل النمو في الناتج المحلي الإجمالي لأي دولة ومعدل نمو القطاع المالي والمصرفي أن تكون مباشرة وقوية وواضحة.
وفي دولة الكويت التي يستأثر قطاعها النفطي بحصة الأسد من مجمل نشاطها الاقتصادي، وتشكل عوائد الصادرات النفطية في المتوسط نحو 70 في المئة من قيمة الناتج المحلي الإجمالي، وتمثل مشروعات النفط أهم المشاريع الاقتصادية وأفضلها من حيث الجدوى المالية والفنية في البلاد، نجد أن هذا القطاع هو قطاع معزول كلياً عن بقية الأنشطة الاقتصادية، ومن بينها القطاع المصرفي، فالسيولة الكبيرة التي يتمتع بها قطاع النفط بوصفه نشاطاً حكومياً صرفاً، تمكنه من تمويل مشروعاته الكثيرة والكبيرة والمتنوعة، دون حاجة إلى الحصول على تمويل من النظام المصرفي المحلي. وبذلك يفقد القطاع المصرفي الكويتي فرص تمويل أنشطة هذا القطاع الحيوي والأشد أهمية، مما يؤدي إلى تقلص نطاق عمله وقصور معدلات نموه مقارنة بحجم ومستوى نمو الاقتصاد المحلي.وفي ظل وفرة التدفقات النقدية في الاقتصاد الريعي، تستحوذ المصارف الكويتية بصفة شبه دائمة على سيولة نقدية عالية، مما يضطرها إلى توجيه هذه السيولة في شكل قروض وتسهيلات ائتمانية إلى قطاع التشييد والبناء والأنشطة المالية والقروض الشخصية التي يذهب جانب كبير منها إلى عمليات المتاجرة– وفي الكثير من الأحيان المضاربة– بالأسهم والعقارات، عوضاً عن توجيهها إلى أنشطة الإنتاج الحقيقي وأهمها صناعة النفط. ونظرا إلى طبيعة الدورات الاقتصادية (فترات الرواج التي يعقبها الانكماش)، التي تمر بها الأنشطة المالية والعقارية، نجد البنوك الكويتية عرضة للضغوط في فترات الانكماش، حيث تتزايد نسبة القروض غير المخدومة، وتنتشر حالات الإعسار والإفلاس والتعثر، مما يؤثر سلبا على درجة ثبات واستقرار النشاط المصرفي، ومعدلات أدائه وربحيته.وفضلاً عن شيوع ثقافة الاستهلاك في المجتمع التي تدفع عدداً كبيراً من الأفراد إلى الإفراط في الاستفادة من التسهيلات الائتمانية التي توفرها المصارف، تعاني البنوك الكويتية طبيعة بيئة العمل التي يعلو فيها نفوذ الأشخاص على قوة المؤسسات، مما يضطر هذه البنوك إلى منح الائتمان لأفراد متنفذين سواء كانوا أعضاء في مجالس إداراتها أو مقربين منهم، دون الاعتداد كثيرا بمسار هذا الائتمان أو جدواه الاقتصادية. وكل ما سبق يزيد من حجم المخاطر التي يتعرض لها النظام المصرفي المحلي.وتشكل خطة التنمية التي تتضمن إنفاق ما يزيد على 30 مليار دينار على مشاريع كبرى تتصل بتطوير البنية التحتية في غضون السنوات الأربع المقبلة، إذا ما نفذت على نحو دقيق وشفاف وعبر قنوات التمويل الطبيعية، مخرجا ضروريا من إشكالية الركود الاقتصادي المحلي الراهن، حيث ستعزز النشاط المصرفي التمويلي المنتج، وتحسن من جودة أصول القطاع المصرفي من خلال دورها في إعادة تشغيل الشركات الكويتية وتعزيز موقفها الائتماني تجاه البنوك المحلية.
مقالات
وجهة نظر تمويل التنمية في ظل إشكالية الركود الاقتصادي
27-10-2010