لا تستبعد جهات قضائية متخصصة في التحقيقات الجنائية أن تكون المعلومات التي تسربت إلى شبكة "سي بي سي" الكندية قبل أيام عن التحقيقات، التي يتولاها المدعي العام لدى المحكمة الدولية الخاصة بلبنان دانيال بلمار في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري ورفاقه من صنع بلمار نفسه، بهدف استدراج ردات فعل الجهات المعنية بمضمون التحقيقات على النحو الذي يسمح له بسد أي ثغرات يمكن للمشتبه فيهم أن يستخدموها للتشكيك في الأدلة والإثباتات التي سوف يتضمنها القرار الاتهامي المنتظر صدوره قريباً.
وتلفت الجهات المذكورة إلى أن قضاة التحقيق غالباً ما يلجأون إلى مثل هذا الأسلوب قبيل انتهاء تحقيقاتهم لوضع اللمسات الأخيرة على قراراتهم الاتهامية بحيث تأتي صلبة ومتماسكة، وتقفل أبواب التشكيك أمام المتهمين بحيث يصعب عليهم الاستفادة من أي ثغرة، بعد أن يكون الادعاء العام قد استفاد من ردات فعلهم لتحضير أجوبة عن كل الأسئلة وعلامات الاستفهام التي يمكن للدفاع عن المتهمين أن يلجأ إليها سواء مع صدور القرار الاتهامي أو من خلال المحاكمات.ولا تستبعد الجهات القضائية المختصة أن تؤدي هذه العملية إلى بعض التأخير في صدور القرار الاتهامي، إذا تبين للقاضي دانيال بلمار أن ما يستند إليه في حاجة إلى بعض التفاصيل واللمسات الأخيرة التي لم يؤمنها بعد لقطع الطريق على أي تشكيك في ما سيتقدم به إلى قاضي الإجراءات التمهيدية لإقراره كقرار اتهامي.أما إذا تبين لبلمار أن ردات الفعل بقيت تحت سقف القرائن والأدلة والإثباتات الموجودة لديه، فإن القرار الاتهامي سوف يسلك طريقه إلى مكتب القاضي دانيال فرانسين الذي سبق له أن تلقى دفعات من الوثائق التي يستند إليها بلمار في تحقيقاته، بحيث لا يعود القرار الاتهامي في حاجة إلى كثير من الوقت في مكتب فرانسين قبل إقراره وتحويله إلى المسارات التي تنص عليها قواعد الإجراءات والإثبات لناحية النشر والتبليغ وانطلاق جلسات المحاكمة.وتشبه الجهات القضائية المذكورة ما شهده لبنان من سجالات في شأن مضمون القرار الاتهامي على مدى الأيام القليلة الماضية بمناورة بالذخيرة الحية، يحاكي فيها كل طرف خصمه في أية مواجهة مقبلة محتملة. فبلمار الذي سبق أن شطب من معادلة قراره الاتهامي ما بات يعرف في لبنان بـ"شهود الزور"، سعى من خلال ما نشرته الـ"سي بي سي" الكندية إلى معرفة مدى قدرة "داتا الاتصالات" على الصمود في مواجهة حملات "حزب الله" وحلفائه وما يملكونه من معلومات من شأنها أن تؤثر في مصداقية القرار الاتهامي.في المقابل، فإن "حزب الله" بدا في موقع المتأكد أن ما سيرتكز إليه القرار الاتهامي لن يتعدى القرائن المتعلقة بشبكة الاتصالات الخلوية، وهو ما سبق لعاملين في فريق التحقيقات التابع لبلمار أن أكدوا عدم صحته، مشددين على أن داتا الاتصالات لا تعدو كونها جزءاً من مجموعة من القرائن والإثباتات التي من شأنها أن تشير إلى المتهمين في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري ورفاقه.من هنا، فإن المراقبين يعتبرون التسريبات وردات الفعل عليها بمنزلة "نموذج" من مواقف الادعاء العام والدفاع خلال المحاكمات، بحيث أن كلا من الفريقين المتواجهين بدأ بكشف ما عنده في محاولة لتحطيم حجج خصمه وبراهينه وإثباتاته، من دون أن يعني ذلك أن كل الأوراق باتت مكشوفة. ذلك أنه ما من شك في أن كلا الطرفين يسعى إلى مفاجأة خصمه بما يربكه في خلال المحاكمات، لاسيما في ظل النظام الذي تقوم عليه المحكمة الدولية، والذي يسمح للمدعي العام بالاستمرار في التحقيقات وإلحاق قراره الاتهامي الأول بقرارات أخرى خلال سير المحاكمات، والذي يسمح لفريق الدفاع في المقابل بإجراء تحقيقات توازي في أهميتها ونوعيتها تلك التي يقوم بها المدعي العام وفريقه.
دوليات
التسريبات وردات الفعل «مناورة بالذخيرة الحية» بين بلمار و«حزب الله» عشية القرار الاتهامي
06-12-2010