لنتصالح معه من جديد!

نشر في 15-10-2010
آخر تحديث 15-10-2010 | 00:01
 حمد نايف العنزي يحدث كثيرا أن أتحدث مع شخص ما، فأحسب من خلال حديثه وما يحويه من سذاجة وسطحية وفقر ثقافي أنه لم يكمل تعليمه، فأفاجأ أنه يحمل شهادة جامعية، وأحيانا أعلى من ذلك، فأتساءل وكلي عجب: "ما دام سيادته من أهل الشهادات ما باله يبدو كثور الله في برسيمه؟"، ويعتريني الفضول فأسأله عن آخر كتاب قرأه، ليخبرني بأنه طلق القراءة منذ تخرجه من الجامعة، وهو يعني بالقراءة هنا مذاكرته للمواد التي كان يدرسها حينذاك، ولا ينسى أن يضيف بأنه كان من هواة القراءة سابقا، لكنه للأسف لا يجد الآن الوقت الكافي للقراءة فهو دائما "مشغول وحياتي مشغول"!

ويحدث كثيرا أن أدخل عيادة طبيب وأنا أتأوه من الألم وحالتي تصعب على المؤمن والكافر، فيقول لي بعد أن ينهي الكشف وابتسامة تعلو محياه: "مفيش حاجة يا بطل" ثم يكتب لي بعض الأدوية لعلاج حالة الـ"مفيش"، فأدرك حينها أنني أقف أمام "لوح" في هيئة طبيب، لا يعرف في مجال تخصصه شيئا، ولا يتابع الإصدارات والدوريات الطبية، وآخر عهده في قراءة كتب الطب كان في الليلة الأخيرة لآخر امتحان له في الكلية، وبالطبع، نسي منذ ذلك الوقت 90% مما درس هناك، وإلا لما قال لي وأنا أعاني الأمرين من ألم في المعدة "مفيش حاجة يا بطل"... هل يظن "عبقرينو" أن الناس تذهب إلى المستشفيات لتتدلع هناك؟!

ويحدث كثيرا أيضا أن أشاهد مهندسا للطرق يقود كتيبة من العمال، شعره الأبيض يغطي الأسود، يحمل في يده مخططات وضعها كحل لاختناق مروري في شارع ما، ويمر شهر واثنان وثلاثة، لتنفذ المخططات ويتم المشروع، فتكون النتيجة بعد ذلك أن نكتشف بأن صاحبنا قد جاء ليكحلها فعماها، وأن الزحام والاختناق المروري صار أكبر مما كان عليه، فأدرك حينها أن مهندسنا العتيق مازال يتبع الحلول الديناصورية التي تعلمها في الستينيات والسبعينيات، وأنه ربما لم يقرأ في مجال هندسة الطرق كتابا واحدا منذ ثلاثين عاما أو أكثر!

ويحدث كثيرا أن تأتي عيني على أحد الأصدقاء الجالسين في الديوانية وهو يقلب بين يديه في لهف وسرعة شديدتين صفحات الجريدة بحثا عن "الإعلانات" فيها، ليرميها بعد ذلك غير مأسوف عليها، ويتكرر المشهد مرة بعد مرة، ويوما بعد آخر، فأيقن بأن صديقي العزيز قد حلف يمينا لا رجعة عنه ألا يقرأ في حياته شيئا، كتابا كان ذلك أو جريدة يومية، لأنه باختصار لا ولم يشعر بأي حاجة لذلك، فما دام يأكل ويشرب وينام ويتمتع فالحياة جميلة، ولا داعي أن يعرف ما يدور حوله من أخبار وأحداث محلية وعالمية، فما بالك بقراءة الكتب، يا شيخ... بلا قراءة بلا هم!

يقول صديق إن صديقا له قد غضب منه يوما واعتبره "خبل" لأنه حدثه عن رواية قرأها ثم نصحه بقراءتها، وهو موقف حدث لي ما يشبهه، فقد  "طحت من عين" أحد زملائي في العمل لأنني كنت أحمل على الدوام كتابا في يدي، فصرت في نظره "معقد" و"مو صاحي" وقبلت بوضعي وتقبلت رأيه فيّ، لكن الغريب أنني رأيت هذا الزميل بعد شهور يتأبط كتابا عن مزايا ومناقب قبيلة كذا... وهي القبيلة التي ينتمي إليها! مش مشكلة، فرحت له... المهم أنه قرأ شيئا أخيرا!

سؤال: كم مرة شاهدتم مواطنا صالحا في يده كتابا يقرؤه في عيادة من العيادات، أو في مطار من المطارات، أو كافيه من الكافيهات؟!

سؤال آخر: هل لدى أحدكم أي فكرة عن سبب العداوة بيننا وبين الكتاب، لماذا يمقته معظم أبناؤنا ولا يطيقون رؤيته أو شم رائحته؟!

أهي المدرسة وكتبها المضجرة التي تزرع فيهم ثقافة التلقين والحفظ هي السبب، أم أن العلة في الأهل الذين لا يشجعون أبناءهم على القراءة ولا يوضحون أهميتها، أم المشكلة في الدولة التي لا تدعم طباعة القصص والروايات للصغار بأسعار رمزية أو توزعها عليهم بالمجان لتشجعهم وتعودهم على الاطلاع الحر، أم أن السبب بعيد عن كل ذلك، ويكمن في جيناتنا الوراثية التي تجعلنا نرث حب الجهل وكراهية المعرفة من جيل إلى آخر؟!

لا أدري ما السبب الحقيقي، لكنني أتمنى أن يكون معرض الكتاب المقام حاليا فرصة جيدة لنوقف عداوتنا المستمرة للكتاب ونبدأ صفحة جديدة في التعامل معه، بشرط واحد، هو ألا نبدأ هذه المصالحة باقتناء كتب الأبراج وتفسير الأحلام والجن والعفاريت، فعدم القراءة أفضل بكثير من قراءة هذه الكتب... لو كنتم تعلمون!

back to top