الدستور بحاجة إلى رجال يطبقونه

نشر في 10-11-2010
آخر تحديث 10-11-2010 | 00:01
 أحمد عيسى بين الفريق المناصر للدستور ومناوئيه حرب كر وفر ممتدة منذ 48 عاماً، لكننا حتى الآن لم نر من يفخر بحمل الدستور في قلبه والسعي إلى تطبيقه على الأرض. ربما كان المنجز الحضاري الوحيد الذي تفخر به الكويت على مدى قرن مضى أنها تمكنت من إقرار دستور 1962، فهو كوثيقة سياسية حددت معالم الدولة الحديثة، وفصلت الكويت من كونها إمارة عشائرية إلى تأسيسها كإمارة دستورية ودولة مدنية.

وتحولت الكويت بعد المجلس التأسيسي إلى ورشة عمل كبيرة سعت إلى وضع «فرشة» القوانين المنظمة للدستور، واستمدت روحها من روح الوثيقة التي كفلت الحريات ورسمت حدود كل سلطة.

ومنذ إقرار الدستور في اليوم المصادف غداً قبل 48 عاماً، ظهر معسكران متقابلان على جانبي الدستور، يمثلان خطين سياسيين متقاطعين، الأول يسعى إلى الانقضاض عليه وشلّه، والثاني للدفاع عنه وحمايته، ومنذ ذلك الوقت والفريقان في حرب محمومة لا تهدأ معاركها وجولاتها، يسجل الأول انتصاراً فيعود الثاني ويعزز موقعه، فينقض الثاني على الأول في موقعة أخرى ليتقهقر الأول إلى نقطة البدء، وهكذا دواليك.

على مدى حياة الدستور عُطل مرتين لمدة اثني عشر عاماً مجتمعة (1975– 1980 ثم 1985 - 1992)، كما زوّرت بسببه انتخابات الفصل التشريعي الثاني الذي امتد أربعة أعوام كاملة، ثم جرى الانقضاض على مواده وفُرغت من محتواها بسبب قوانين تعارضت معها، كما نشهد الآن موجة جديدة لتحويله إلى مجرد كتيب يدرّس بالمدارس ويوزع بفخر بثلاث لغات (عربية، إنكليزية، فرنسية) خلال المناسبات الوطنية.

أما المدافعون عن الدستور، فيفخرون بأنهم استطاعوا تعطيل جميع محاولات وأده وتدجينه، كما كان ملجأهم لتحرير بلادهم من المحتل عام 1990 حينما رفعوه على الرماح مدشنين معركة التحرير من مؤتمر جدة، فمنذ 1992 لم يتم تعطيله بل على العكس تم تفعيل مبدأ الحل الدستوري للبرلمان والدعوة إلى انتخابات مبكرة، وتفعيل قانون توريث الإمارة، وأصبح على مدى 18 عاماً مادة رئيسة لأي خطاب رسمي، ما يعني أنه أصبح أمراً واقعاً، والحديث عن جدواه أو تعطيله صار نسيا منسيا.

وأيضاً بموجب الدستور انتصرت المحكمة الدستورية بإلغاء قانون التجمعات عام 2006 استناداً إليه، ومنحت المرأة حق الحصول على جواز سفر دون اشتراط موافقة الزوج، ومنه أيضا حصلت المرأة على حقها بممارسة العمل السياسي، وبسببه تأسس ديوان المحاسبة، وتعززت الحريات الإعلامية على مدى السنوات الأربع الأخيرة، ناهيك عن تحديده لمساحة كل سلطة ودورها، وبلا شك انتصاره للقيم الإنسانية والحريات العامة والخاصة.

بين الفريق المناصر للدستور ومناوئيه حرب كر وفر ممتدة منذ 48 عاماً، لكننا حتى الآن لم نر من يفخر بحمل الدستور في قلبه والسعي إلى تطبيقه على الأرض، كما اختُزل الدستور للأسف باليمين التي يؤديها كل عضو في السلطات الثلاث باحترامه قبل أن يتولى مهامه، والمناوشات التي يقوم بها السياسيون حول مسألة البر بقسمهم الدستورية، بل أصبحت لدينا الآن موضة جديدة عنوانها «القسم السياسي» باتت تحكم العملية السياسية أكثر من المشاريع والبرامج والقوانين.

في العاشرة من صباح يوم السبت الموافق 20/1/1962 تألف المجلس التأسيسي من 30 رجلاً بتشريف حضرة صاحب السمو الشيخ عبدالله السالم أمير دولة الكويت المعظم الذي ألقى خطاباً افتتاحياً قال فيه «هذا المجلس تقع على عاتقه مهمة وضع أساس الحكم في المستقبل»، وفي مساء يوم السبت الموافق 3/3/1962 انتخب المجلس التأسيسي أعضاء لجنة الدستور التي ضمت يعقوب الحميضي وعبداللطيف ثنيان الغانم والشيخ سعد العبدالله وحمود الزيد الخالد وسعود العبدالعزيز العبدالرزاق، فبدأت معهم رحلة الدستور التي لانزال نعيش عبقها حتى الآن، رغم مرارة المحطات التي توقفت عندها، وزهوة الضمانات التي انتصرت لها الوثيقة الأهم في تاريخ الكويت، لكن تبقى هناك حقيقة أكيدة في عالم السياسة مفادها أن لكل زمان دولة ورجالاً.

back to top