وداعاً هاشم... وداعاً عبدالكريم
الموت هو الحقيقة الوحيدة في هذه الحياة. ليس لنا إلا أن نقبلها ونجتهد في كيفية التعامل معها والله المستعان.عندما ينسحب من الحياة بهدوء صديق أو عزيز، قد تكون مشكلته مع الحياة قد انتهت، وتظل المشكلة قائمة بالنسبة لمن أحبوه، وعايشوه، وخبروه. عندما يرحل شخص جميل ملأ فراغاً ما عن هذه الدنيا فلا بديل عن الصمت والتأمل.
في الأيام القليلة الماضية انسحب من حياتنا شخصان تنطبق عليهما صفات الجمال الإنساني، وإن كانا من عالمين مختلفين. عرفتهما عن قرب فكانا نموذجين رائعين للالتزام والتفاني والوضوح. قاوم كل منهما المرض بصلابة، ولكن خبث المرض ولؤمه تفوق عليهما في نهاية الأمر فأسلما الروح إلى بارئها.أما الأول فكان صديقنا وزميلنا في قسم العلوم السياسية الدكتور هاشم بهبهاني. نموذج للإنسان الملتزم صاحب المبدأ الكريم المعطاء.والثاني كان صديقنا الصلب الواضح الموسوعي الدكتور عبدالكريم السعيد.منذ زمن طويل ارتحل هاشم إلى الصين لدراستها منطلقاً من إيمانه بالقضية الفلسطينية ومحاولة منه لفهم العلاقة الصينية مع العرب وفلسطين، فكانت دراسته في حينها إسهاماً بارزاً لا يُجارى، ولم يتوقف لحظة عن التحرك ودعم كل ما من شأنه أن يفتح آفاق المعرفة ويدعم الانفتاح والتحرر والديمقراطية. وعندما جاء الغزاة في 1990 أصر على البقاء والصمود وجعل من بيته خلية للمقاومة. كنا عندما نلتقي في تلك الأوقات الصعبة نتفاهم بابتسامة. وعندما داهمه المرض اللئيم، ظل مقاوماً، صامداً، مُصرّاً على الاستمرار في التدريس، حتى أنه، وقبل توقفه عن التدريس، استمر في المجيء على كرسي متحرك، فلم تعد رجلاه تساعدانه على الوقوف، ولا الكلمات عادت كالكلمات.انسحب هاشم بهدوء وترك فراغاً إنسانياً عظيماً لا يدركه الكثيرون، ولا لوم لأحد، فهم لم يعرفوه.أما عبدالكريم، ومنذ لقائنا الأول في الكلية العسكرية عندما كنت مجنداً، وكان هو ضابط اختصاص، فكنت أرى فيه الإصرار والالتزام والتمسك بالعدالة والوضوح الذي يخشاه المتلونون والسياسيون، وظل على العهد لم يتبدل ولم يتغير كما هو داعياً إلى الإصلاح منافحاً بالحق، لا يتردد ولا يتهيب. كان بلاؤه أيام الغزو عظيماً وافراً. قاوم المرض وعانده، حتى خارت القوى، وتبعثرت الأشياء. رحلة طويلة في دول العالم بجسده النحيل لم تفلح.رحل هاشم وعبدالكريم وكم خسرنا جميعاً برحيلهما، رحمهما الله، وألهم أهليهما الصبر والسلوان، ولن نوفيهما حقهما مهما كتبنا.محمد مساعد الصالحوحيث إن الحديث عن أحباء قد رحلوا وتركوا في القلب غصة. فقد قررت أجهزة الحكومة الركيكة أن تعيد لنا ذكرى أستاذنا الذي رحل عنا منذ شهور، ولكن بطريقة مبتكرة ليس عن طريق إحياء ذكراه ولكن بتطرفها في طمس ذكراه، حين رفض أحد ما في مكان ما تسمية شارع الصحافة باسم محمد مساعد الصالح. والحقيقة الراسخة هي أن تسمية شارع، أياً كان هذا الشارع فهو شارع على أية حال، تدوسه الأقدام والسيارات وما هو أدنى من ذلك، لن تزيد أبا طلال شرفاً حازه وانتهى. ولكن رفض التسمية لشخص بقامة أبي طلال وفي مجاله الذي أبدع فيه يثير الحزن على حال البلد والشفقة على العقلية التي قررت أن ترفض التسمية، والأسى على أسلوب إدارة البلد، فرفض التسمية ليس إلا مؤشراً على حالة التردي. ولا حول ولا قوة إلا بالله.