لم يبق من الجامعة العربية إلا اسمها، ورغم ذلك ظهرت مشاريع في القمة العربية لتغييره! لو تغير الاسم لاختفت الجامعة العربية من الوجود لأنها محض اسم! صحيح أن لهذا الاسم دلالته العاطفية في القلوب ودلالته الثقافية في العقول ولكنه للأسف لا يحمل أي دلالة عملية ملموسة على أرض الواقع.

Ad

الجامعة العربية تمثل ذلك العالم الافتراضي الذي نسميه (الوطن العربي)... مساحة جغرافية استراتيجية في قلب العالم القديم تجمع أناسا لا يجمع بينهم إلا الحلم, وأنظمة سياسية لا رابط بينها سوى التوقيع على ذلك الميثاق القديم، ونحن اليوم بأمس الحاجة لتحديد هوية هذه المساحة وإعادة ابتكار مفهوم العروبة.

وإذا كان تعريف العربي في ما مضى من الزمان هو ذلك الشخص الذي يستطيع العودة بجذوره الأسرية إلى قحطان وعدنان فإن العروبة اليوم غير مرتبطة بكتب الأنساب، فالكثير من العرب اليوم تعود جذورهم الأسرية الى أصول تركية وشركسية وفارسية وإفريقية وهندية ويستحيل سلخهم عن هويتهم العربية.

ولا يصح تعريف العربي باعتباره الشخص الذي يعيش داخل مساحة جغرافية معينة لأن الكثير من العرب الأقحاح الذين لا يمكن الشك في انتمائهم إلى عدنان وقحطان تستوطن قبائلهم اليوم مقاطعات في تركيا وإيران ووسط وغرب إفريقيا، ويعيشون خارج خارطة ما يسمى بـ(الوطن العربي) ناهيك عن عرب المهجر.

ولا يمكن تعريف العربي باعتباره الشخص الذي يحمل جنسية إحدى الدول الأعضاء في جامعة الدول العربية، حيث توجد العديد من المجموعات العرقية المختلفة مثل الأكراد والبربر والأرمن والأفارقة.

العروبة اليوم ثقافة، وهي بلا شك ثقافة عريقة لها حضورها المؤثر منذ قديم الأزل، ولكن هذه الثقافة تكاد تعصف بها رياح العولمة التي لا تبقي ولا تذر، والتحدي الحقيقي الذي تواجهه الجامعة العربية في هذا الزمان الصعب هو تحد ثقافي وحضاري أكثر من كونه تحديا سياسيا أو اقتصاديا، بل إن النجاح في التحدي الثقافي الكبير هو الذي يضمن التقارب السياسي والاقتصادي المنشود.

والحديث الدائم عن المصالح السياسية والعلاقات الاقتصادية والروابط الجغرافية يمكن أن يحولنا بسهوله إلى (شرق أوسطيين)، سوف يتغير اسمنا مثل الجامعة العربية فنذوب مثل أي قومية تائهة تسحقها مكائن العولمة، لذلك فإن الجامعة العربية في هذا المنعطف التاريخي بأمس الحاجة لتأسيس مشروع ثقافي رائد لحماية الهوية العربية من الذوبان، بغير هذا المشروع سوف ينقرض العرب ويصبحون مثل الكثير من القوميات التي سكنت كتب التاريخ، ولم يعد لها من أب تنتسب إليه سوى موقعها الجغرافي، مثلما هي الحال في شرق آسيا ووسط إفريقيا وأميركا الوسطى!

* كاتب سعودي

 

كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء

يمكنك متابعة الكاتب عبر الـ RSS عن طريق الرابط على الجانب الايمن أعلى المقالات السابقة