كنت أظن أن قيام الحكومة، من خلال وزارة الداخلية، بالإصرار على منع التظاهرات، ومن ذلك قولها بمنع التجمع المزمع إقامته غداً الجمعة في ساحة الصفاة، هو من قبيل العناد والمناطحة وقلة الحصافة، وأنها تسعى بذلك إلى استعادة هيبتها المهدورة التي استبيحت على يد الجميع، كنت أظن ذلك... لكنني اليوم بدأت أميل إلى شيء آخر، خصوصا بعد تحركات الحكومة وبعض تكتيكاتها الأخيرة، التي كشفت لي أنها أذكى قليلاً مما قد تبدو.
يبدو لي هذه المرة، أن الحكومة تتقصد إشغال من يدعون إلى هذه التجمعات ويقفون خلفها بجزئيات وتفاصيل هذا المشهد الصغير من الحدث، على حساب مساحته الكلية.الانشغال بالتفاصيل والجزئيات هو أفيون أي حراك شعبي، بل مقتله ونهايته المحتمة، لذلك فإن الحكومة قد صارت تحرص في كل مرة على إشغال من ينوون التظاهر وتخديرهم بحكاية المنع من التجمع هنا والدفع للتجمع هناك، وإغلاق هذا المكان وفتح ذاك، وذلك لسحبهم بعيداً عن التركيز على الغايات البعيدة من هذه التجمعات والبناء عليها، والغريب المخزي أن أصحاب هذه التجمعات يسقطون في الفخ نفسه في كل مرة، فيتم استدراجهم بعيداً عن أهدافهم وشعاراتهم المرفوعة.بالإضافة إلى أن هذه التجمعات، وفي كل مرة، وهذا ما يزيد الطين بلّة، تتعرض للاختطاف لتنحرف بعيداً على يد مجموعة استطابت امتطاء الموجة لأجل غاياتها.نصيحتي هنا، إن كان هناك من يريد التوقف قليلاً عن هذا الاندفاع المحموم، والاستماع إلى النصيحة، هي الانتباه لما قلت أعلاه، وعدم السماح للحكومة باستدراج تجمعاتهم بعيداً في الهامش للاختصام الساذج حول هذه الجزئيات الصغيرة الملهية على حساب الهدف الأسمى، إن كان هذا الهدف واضحاً أصلاً، وبائنة معالم طريق الوصول إليه، وكذلك وجوب الانتباه والحذر من ركوب البعض الدائم على ظهر هذه التجمعات وتجييرها لمصلحة مكاسبه الانتخابية.أقول هذا مؤمنا بحق الجميع، وأي كان، كويتي أو غيره، للخروج والتظاهر بسلمية لأي قضية مستحقة كانت عنده، وذلك انطلاقاً من مواد الدستور التي كفلت حق التعبير والتجمع للجميع، وإن كنت أمتنع عن الخروج شخصياً تحت مظلة القضية المثارة حالياً، وذلك لسببين:أولا: لأن الخروج إلى الشارع بمعيّة النواب، مركزاً على هذه الجزئية «معيّة النواب»، هو نهاية المطاف عندي بالنسبة إلى العمل البرلماني، فلا يصح موضوعياً أن ينزل النواب إلى الشارع مطالبين برحيل رئيس الحكومة، متهمين إياه وحكومته بالخروج على الدستور، ثم يعودون تحت قبة مجلس الأمة لتداول العمل البرلماني معهم، وكأن شيئاً لم يكن، فهذا أعتبره من قبيل الضحك على الذقون، فإما أن يكون النواب بقدر مواقفهم فيعلنونها قطيعة حقيقية للعمل البرلماني ومواجهة فعلية مع هذه الحكومة المتهمة باستلاب الدستور، وإما لن نقبل منهم!وثانياً: لأني رأيت، ولأكثر من مرة، كيف أن هذه التظاهرات خالية من التنظيم غالباً، وغير واضحة المعالم، وكثيرا ما يُعطى الميكروفون فيها لمن لا يمكن الاتفاق مع ما يطرحه، وكذلك يجري اختطافها، كما أسلفت، على يد من لا أتفق معهم، ولا أثق بهم.على أي حال، وعلى الرغم من عدم وضوح ملامح ما يمكن أن تأتي به الأيام القادمة، فإني متفائل بأن المسألة مسألة وقت، وأن الرابح هو من سيصمد ويصبر، لأن بقاء الحال على ما هي عليه مستحيل، والحكومة ستنهار قبل الجميع تحت وطأة المشاكل المتراكمة دون جهد كبير من معارضيها، وسيكون التغيير بلا شك، فتحلّوا بالصبر والحكمة.
مقالات
تظاهراتنا المختطفة
26-05-2011