ثقافة العنف والخراب
قد نختلف في الرأي والموقف والتوجه حتى العظم, وقد يوجد بيننا من لا يحترم خصوصيات فئات مجتمعية أخرى ويكنّ لأفكارها ومعتقداتها ورموزها وسلوكياتها الكراهية الشديدة, ولكن هذا كله لا يعطي أي مسوغ للتطاول والاعتداء باليد احتراماً وانصياعاً للقانون والنظام العام.حادثة الاعتداء على المواطن محمد الجويهل وبكل ما تحمل من معاني الأسى والتخلف في الثقافة الديمقراطية هي نتاج طبيعي لسلسلة التداعيات والتطورات التي تشهدها الساحة الكويتية خلال السنوات الخمس الماضية تحديداً, ومن غير المستبعد أن تتحول هذه الحادثة إلى وقود جديد للمزيد من التصعيد وربما تكرار حوادث الضرب والاعتداء والتشابك في الشارع بدلاً من استغلالها كناقوس خطر بدأت شرارته على أرض الواقع لتنذر بحريق أكبر.
وقد سبق أن حذرنا مراراً وتكراراً جنباً إلى جنب مع الكثير من الأصوات والأقلام من أن التحريض المنظم وتعبئة الصدور بروح الكراهية وبشكل متواصل ومكثف بين فئات المجتمع المختلفة وعبر بعض وسائل الإعلام لابد أنها تنتظر فرصة أو ظروفا، تلقائية كانت أم مصطنعة لجر الناس إلى الالتحام البدني في الشارع, وقد يكون ضحية هذا العراك شخص الجويهل اليوم، ولكن إذا ما استمرت وتيرة النفخ الإعلامي والاجتماعي فمن المحتمل جداً أن نكون أمام مشهد للتصادم الجماعي بكل أشكاله وأنواعه وقوده الفزعة والتعصب الأعمى.نعم قد نختلف في الرأي والموقف والتوجه حتى العظم, وقد يوجد بيننا من لا يحترم خصوصيات فئات مجتمعية أخرى ويكنّ لأفكارها ومعتقداتها ورموزها وسلوكياتها الكراهية الشديدة, ولكن هذا كله لا يعطي أي مسوغ للتطاول والاعتداء باليد احتراماً وانصياعاً للقانون والنظام العام، وحتى لا نتحول إلى شريعة الغاب والفوضى.وبكل المقاييس، فإن الاعتداء على الجويهل جريمة مهما كانت خلفياتها يعاقب عليها القانون, وكما وقفنا ضد هذا الرجل عندما تعرض لأبناء القبائل وأيدنا الاختصام ضده أمام القضاء, يجب أن نقف اليوم ضد المعتدين عليه ومخاصمتهم أمام ذات المؤسسة القضائية لأن في ذلك فقط تكمن المصداقية والعدالة, وتوفير الأمن والحماية لأي فرد في هذا المجتمع. ومن هنا نطالب الأجهزة الأمنية التي كانت موجودة بكثافة في موقع الحدث ولم تحرك ساكناً حتى وقعت الفأس بالرأس أن تكثف جهودها لمعرفة الجناة أياً كانوا, بل نطالب في الوقت نفسه من اعتدوا أن يقوموا بتسليم أنفسهم طواعية إقراراً بالذنب وحتى يعترفوا للمجتمع بأسره بالخطيئة التي اقترفوها أملاً في عدم تكرار مثل هذه الجرائم مستقبلاً, ونزع فتيل أي أزمة قادمة عبر خلط الأوراق وتوزيع التهم, إضافة إلى تفويت الفرصة على كل من يستلذ برؤية الشعب الكويتي متناحراً على توافه الأمور لتمرير مصالحهم ومواصلة العبث بثروات هذا البلد.ومصداقية الجميع اليوم تتمثل في الترفع عن النعرات والفزعات والالتفاف حول القانون وسيادة الدولة, وهذا هو صمام أماننا خصوصاً في ظل الاستقطابات الحادة والاصطفافات العقيمة الجدوى, فثقافة العنف بالعقل والمنطق والسنن التاريخية والحضارات البشرية دائماً وأبداً لا تتوقف إلا بهدم أركان المجتمع ككل وتقويض بنائه، وتحتاج إلى كلفة بشرية ومالية وزمنية باهظة لاستعادتها من جديد! كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراءيمكنك متابعة الكاتب عبر الـ RSS عن طريق الرابط على الجانب الايمن أعلى المقالات السابقة